|
||||||
Updated: الاحد, تشرين الأول 26, 2008 09:52 ص | ||||||
فهرس العدد |
عُمان في أدب الرحالة ـــ د.عبد الله المجيدل(*) مقدمة: تشكل كتابات الرحالة ومذكراتهم جنساً أدبياً راقياً وممتعاً في آن واحد، إذ إنه لا يعكس الوضع الاجتماعي للأفراد والجماعات وحسب، وإنما يرصد الأوضاع الثقافية والسكانية والفكرية والحضارية السائدة أيضاً. فهو بهذا المعنى يؤرخ الأنثروبولوجيا الثقافية للمجتمعات وللحضارات السائدة لتلك البلدان التي زارها الرحالة. وتأسيساً على ذلك فلا غرو أن يعتبر هذا النوع من الأدب الوسيلة الأكثر قدرة على رصد مشاهدات الرحالة لمختلف جوانب الحياة والطبيعة وتوثيقها بالكلمة والوصف من خلال رؤية الرحالة لها، هذه الرؤية التي يفترض فيها الحياد نحو الظواهر حين وصفها، ولكنها غالباً ما جاءت مفعمة بمشاعر الرحالة وهذا ما جعلها مؤثرة في أسلوبها وممتعة في تفاصيلها، كما أنها توثق المواقف والعادات والسلوكيات التي تبدو عادية لدى السكان المحليين في حين هي غاية في الأهمية في دراسة تطور هذه الأنماط الثقافية وكذلك في الدراسات المقارنة لعادات وقيم وتقاليد الشعوب وثقافاتها، وعلى هذا النحو يوفر الرحالة مادة علمية قيمة للدراسات الاجتماعية والانثوبولوجية لمن سيأتون من بعده من الباحثين والدارسين. وقد برع العرب في هذا النمط من الأدب، ويعد ابن بطوطة من أهم الرحالة العرب حيث وثق لكثير من البلدان ثقافاتها وعاداتها وطبيعتها، وبذلك هيأ مادة مهمة لمن جاء من بعده من الدارسين على مدى قرون، وكذلك ابن فضلان، واليعقوبي وابن خلدون وابن ماجه وغيرهم, وهؤلاء لم يعد ينظر إليهم كمحترفين ومبدعين في التاريخ والأدب فحسب، بل كعلماء رحلات عظام.(1) ومع أن بعض أعمال الرحالة قد استغلت لمرات عديدة لغايات استعمارية في التاريخ البشري، كما هو الحال في رحلة العالم اليوناني الكبير«سترابون» واضع أول خارطة عن اليمن والجزيرة العربية، عندما هيأت هذه الرحلة لغزو الاسكندر المكدوني لدول الشرق، وكذلك كانت رحلة فاسكو ديغاما إلى الهند نذيراً بتحريك أساطيل البرتغال والأسبان نحو بلدان الشرق وقد عمل كثير من الرحالة الفرنسيين والبريطانيين والألمان والبلجيك والهولنديين على تمهيد الطريق في منتصف القرن الثامن عشر للاستعمار الحديث.(2) وقد شكلت الأهمية الجغرافية لموقع عُمان على الخارطة العالمية أحد أهم العوامل التي دفعت كثيراً من الرحالة العرب والأجانب لزيارتها، وفي الدراسة الحالية سيتعرض الباحث إلى أهم الرحالة الذين زاروا عُمان ودونوا مشاهداتهم ونشروها وفقاً لما يستطيع الباحث الحصول عليه من هذه المنشورات، وكذلك بالعودة إلى المراجع ومحاولة مقابلة من بقي على قيد الحياة من مرافقين هؤلاء الرحالة، لاسيما فيما يخص الرحالة ثيسجر، وتدوين انطباعاتهم وما يتذكرونه حول تلك الرحلات، علماً أن بعض الرحالة الذين زاروا عُمان، لم يرد ذكرهم في المراجع العربية، ولا بد من العودة إلى أرشيف هذه البلدان للحصول على نسخ من مدوناتهم وتقارير رحلاتهم. مشكلة الدراسة: لاشك في أن أدب الرحالة من أكثر المصادر أهمية لرصد الواقع الأنثروبولوجي للمجتمعات والحضارات ،ولأهميته هذه فقد انفصل أدب الرحالة عن الأدب القصصي والروائي والملحمي، وأصبح جنساً أدبياً قائماً بذاته له أصوله ومقوماته وضوابطه تماماً كالعلوم الطبيعية القائمة على التخصص والتجارب المعملية والأبحاث الميدانية.وبالنظر للأهمية العلمية لما تم توثيقه من معطيات ترصد مختلف جوانب الحياة في عُمان فإن تكوين صورة متكاملة لهذه المعطيات من خلال رصد هذه الظواهر لدى أكثر من رحالة ومقارنتها وتصنيفها ستسهم في تقديم لوحة متكاملة عن مختلف أنماط الحياة العُمانية في سياق التاريخ العماني. وهذه المعطيات تمكن الدارسين في مختلف أصناف العلوم من فهم أفضل للظواهر التي هي محور دراستهم سواء كان ذلك في الجغرافية أو علم الاجتماع أو التاريخ أو التربية أو علوم السكان و البيئة وغيرها من العلوم. وعلى هذا النحو تتلخص إشكالية الدراسة في التساؤل التالي: كيف بدت عمان في كتابات الرحالة الذين زاروها وكتبوا عنها، بعيداً عن النظرة الأحادية المجتزأة، وذلك من خلال استعراض المعطيات لكل الرحالة الذين مروا بعُمان واستطاع الباحث الحصول على ما دونوه ونشروه. أهمية الدراسة: تكتسب الدراسة أهمية خاصة بالنظر إلى جوانب الآتية: 1ـ أهمية رصد تاريخ الظواهر الاجتماعية لفهم وضعها الراهن وعوامل تطورها، مما يعطي للدراسات الاجتماعية والبيئية الحالية إمكانية المقارنة وفهم آلية تطور الظواهر. 2ـ معرفة الوضع الذي كانت عليه البيئة العُمانية سواء في المناخ والمياه والنبات والكائنات الحية التي شوهدت ووثق الرحالة تواجدها، لتمكيننا من تحديد التطورات التي طرأت عليها. 3ـ رصد القيم والعادات والتقاليد وبالتالي الوضع الأنثروبولوجي برمته للفترة الزمنية التي وثقها الرحالة. 4ـ تشكل هذه الوثائق والمعارف والمعطيات مكوناً هاماً من تاريخ عُمان الثقافي والاجتماعي والعمراني، وهي تبرز مسيرة تطورها الحضاري. 5ـ ترصد هذه الدراسة أنماط الإنتاج، ومختلف النشاطات السكانية في تلك الفترة، مما يشكل قاعدة معلومات مهمة للدراسات التي تتناول مختلف جوانب الحياة في عُمان. 6ـ وتكتسب الدراسة أهمية من محاولتها لرسم لوحة متكاملة عن البيئة الطبيعية والحياة الاجتماعية والثقافية ومختلف النشاطات السكانية من خلال ملاحظات الرحالة لجوانب الحياة التي رصدوها في رحلاتهم. أهداف الدراسة تهدف هذه الدراسة إلى ما يلي: 1ـ رصد الواقع السكاني من حيث أنماط الإنتاج والعادات والتقاليد في عُمان خلال الفترات التي وثق فيها الرحالة مشاهداتهم وملاحظاتهم. 2ـ محاولة تحديد الوضع البيئي من حيث المياه والغطاء النباتي والكائنات الحية التي رصد الرحالة وجودها في البيئة العمانية. 3ـ تقصي الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسكان في عُمان من خلال ملاحظات هؤلاء الرحالة في هذه الفترة من تاريخ عُمان. 4ـ توفير إمكانية المقارنة بين واقع التطور الحضاري والثقافي والاجتماعي الذي حققته عُمان و بين ما رصده الرحالة والواقع الحالي. حدود الدراسة: سيقتصر الباحث في هذه الدراسة على دراسة الرحالة الذين زاروا عُمان ووثقوا ملاحظاتهم، ومن الرحالة العرب الرحالة سليمان التاجر، والمقدسي، والرحالة العربي الشهير ابن بطوطة، الذي زار عُمان في القرن الرابع عشر الميلادي ومن الرحالة الأجانب الرحالة بريبلوس، والرحالة ماركو بولو، والرحالة أوفنيجتون، والرحالة فينسينزو ماوريزي، والرحالة هاينز، والرحالة ولستد. كما سيدرس الباحث ما تم توثيقه من قبل هؤلاء الرحالة عن عُمان في الجوانب الاقتصادية والزراعية وأهم النشاطات السكانية، والأسواق والجانب الاجتماعي وما يتضمنه من عادات وتقاليد وجوانب ثقافية تميز السكان في هذه المنطقة من أزياء وثقافات فرعية لسكان المدن والبادية وكذلك الجوانب الصحية والأمراض التي لاحظ الرحالة انتشارها في عُمان خلال تلك الفترات من الزمن. منهج البحث: سيستخدم الباحث منهجاً تكاملياً لإنجاز هذه الدراسة، يتكون من المنهج الوصفي التحليلي والطريقة المقارنة فيه وكذلك المنهج التاريخي تبعاً لكل مرحلة من مراحل البحث. الدراسات السابقة: 1- دراسة فؤاد قنديل «في أدب الرحلة في التراث العربي»: تعد دراسة فؤاد قنديل هذه والمنشورة بكتابه الذي يحمل الاسم نفسه، هو من أولى المحاولات الجادة التي كما يذكر الباحث قنديل، هدفت إلى بيان الطاقة القصصية للمبدع العربي من المحيط إلى الخليج، تلك الطاقة التي ينكرها كثيرون في الشرق والغرب، هذه الموهبة التي تمثلت في عدد من الآثار الأدبية، والتي جاءت لتلبية الحاجة العلمية والأدبية لتعرف الرحالة العرب ورحلاتهم والتعرض لها بالدرس والتحليل، أما المنهج الذي استخدمه الباحث في دراسته هذه فقد ارتأى بأن المنهج التاريخي هو الأنسب لمثل هذا النوع من الدراسة، ليرقب مسيرة الرحلة وأدبها في التراث العربي. وفيما يتعلق بحدود الدراسة فقد اقتصرت على الرحالة العرب دون غيرهم، كما أنها انحصرت في الفترة الزمنية الممتدة من القرن الثالث الهجري وحتى القرن الثامن الهجري، أي من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الرابع عشر. وقد برر قنديل الاقتصار على هذه الفترة بأنها المرحلة الأولى والأعظم في مسار ذلك الجنس الأدبي، حيث توقفت بعد ذلك الرحلات أو انحسرت لتبدأ بقوة من جديد في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. وقد قسم دراسته إلى بابين: الباب الأول، تناول فيه عدداً من العناوين مثل، الإنسان والرحلة، والرحلة العربية قبل الإسلام، والإسلام والرحلة، وتقاليد السفر وآداب الرحلة، والعرب والبر، والعرب والبحر، ومسيرة الرحلة. وقد استعرض في هذا الباب أغراض الرحلات، وصنفها بأنها تأتي بدوافع دينية ودوافع علمية أو تعليمية ودوافع سياسية، ودوافع سياحية وثقافية، ودوافع اقتصادية، ودوافع صحية, ودوافع كالسخط على الأحوال وضيق العيش أو الهروب من عقوبة، ويخلص إلى القول أن الرحلة في أغلب الأحوال هي سلوك إنساني حضاري يؤتي ثماره النافعة على الفرد والجماعة فليس الشخص بعد الرحلة هو نفسه قبلها، ويلخص قول أبو الحسن المسعودي «ليس من لزم جهة وطنه وقنع بما نمي إليه من الأخبار من إقليمه كمن قسم عمره على كل قطع الأقطار، ووزع بين أيامه تقاذف الأسفار، واستخرج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنه». أما الباب الثاني فتناول الرحالة العرب حيث صنفهم وفقاً للقرن الهجري الذي عاشوا فيه، كما وثق لهم بدقة وقارن ما ورد عن بعضهم من دراسات المستشرقين وصوب بعض ما وقعوا فيه من لبس، وعلى هذا فإن النتائج التي توصل إليها الباحث مهمة جداً لكل من يريد دراسة هذا الجنس الأدبي، حيث بينت الدراسة في قسم من نتائجها موقع العرب من الرحلات وإظهار مشاركتهم في أدب الرحلات في البر والبحر، كما أوضح الباحث من خلال هذه الدراسة الطرق التي سلكها الرحالة العرب في البحر وفي اليابسة، كما صنف الباحث الرحالة العرب من حيث الزمن تصنيفاً دقيقاً يسهل مهمة الباحثين من جهة ويقدم معطيات للتطور الاجتماعي والوصف الجغرافي والتاريخي والبيئي لتلك البلدان التي زارها الرحالة. ولكن ما يؤخذ على الباحث هو إهماله لبعض الرحالة ومنهم أعلام في أدب الرحلة، فقد أهمل تصنيف ابن المجاور(1205ـ1290م) علماً أن ابن المجاور يقع ضمن إطار الفترة الزمنية التي تناولها الباحث وله مؤلفات وتصنيفات مهمة(*). 2- دراسة هلال الحجري وعنوانها «مدخل إلى أدب الرحلات في عُمان، دراسة وصفية للرحالة البريطانيين بين عامي (1626- 1970م)»: وقد هدفت هذه الدراسة إلى البحث في ميدان لم يُبحث من قبل من أي من الباحثين مع وفرة النصوص التي خلفها المستكشفون والرحالة الأوربيون عن عُمان. كما هدفت الدراسة إلى تزويد المكتبة العربية بقائمة من المصادر الانكليزية تتعلق بوصف عُمان تاريخياً وجغرافياً وأنثروبولوجياً. أما المنهج الذي استخدمه الباحث فهو المنهج الوصفي دون الدخول في التحليل وقد برر الباحث ابتعاده عن تحليل نصوص الرحالة الذين تضمنهم مجال الدراسة بأنه لم يرد للدراسة أن تخرج عن غرضيها، وكنا نتمنى لو أن الباحث حلل النصوص التي عثر عليها لأولئك الرحالة ولا نتوقع أن التحليل يخرج الدراسة عن أغراضها، بل يقع التحليل في صلب أهداف الدراسة. أما حدود الدراسة فقد تمثلت في الدراسة الوصفية للرحالة البريطانيين الذين زاروا عُمان، وشكلت الأعوام من 1626ـ 1970 ميلادية الإطار الزمني لهذه الدراسة، وقد بدا الباحث بالرحالة السير توماس هيربيرت، وهو الرحالة البريطاني الأول الذي زار عُمان حيث وصل عُمان 1627 فتوقف في مسقط التي كانت تحت الاحتلال البرتغالي وقد بدت له مسقط «صعبة المنال» لأنها كانت محصنة بالجبال والقلاع وبعد وصفه لحصنها وقلاعها لم يجد شيئا يستحق الملاحظة(3). أما الرحالة والطبيب «جون فراير» فقد وصل عُمان 1676 وقد تحامل على العُمانيين بوصفهم بـ(الغدارين العتاة، الذين يكسبون تجارتهم بالغش)(4) ويعرض الباحث صورة أخرى وثقها الرحالة أوفينجتون، حيث أعجب بأخلاق العُمانيين حيث كتب «هؤلاء العرب مهذبون جدا في تصرفهم، وفي غاية اللطف إلى كل الغرباء» ومن ثم يستعرض الباحث عددا من الرحالة الذين مروا بعُمان. ويلاحظ بأن عدداً من الرحالة كانوا من ضباط البحرية البريطانية، وأن غالبيتهم قدموا لأغراض استطلاعية، تقتضيها وحداتهم أو قياداتهم، وقد دونوا بعض ملاحظاتهم وهي تبقى مجرد انطباعات لزيارات قصيرة، ولا تتسم بملاحظات الرحالة المتمرسين الذين يعايشون السكان ولديهم ما يكفي من الخبرة في توثيق تفاصيل الحياة والبيئة للمناطق والمجتمعات التي مرروا بها، كما هو الحال لدى مايلز، وتومس، وثيسجر، وفيلبي. وتعد دراسة الحجري من أهم الدراسات وأقربها لمجال بحثنا الحالي، كونها أولى الدراسات التي تناولت هذا المجال من ناحية، ومن ناحية أخرى كونها استمدت كامل معطياتها من المصادر الإنكليزية حيث شكلت أساساً متيناً استندت إليه دراستنا الحالية، وفي الحقيقة كان يمكن لهذه الدراسة أن تكون أكثر فائدة لو أن الباحث استكمل الجانب التحليلي من الدراسة ولم يقتصر على الجانب الوصفي. 3- دراسة هلال الحجري، بعنوان «ويلفرد ثيسجر والبحث عن المدينة الفاضلة في الربع الخالي» هدف الباحث من دراسته إلى رسم ملامح شخصية ويلفرد ثيسجر الذي قضى خمس سنوات في عُمان مرتحلا بين البدو في صحراء الربع الخالي، ولم يحدد الباحث منهجه في البحث ولكنه أشار إلى أنه سيستفيد من الدراسات «ما بعد الاستعمارية» التي تتيح الفرصة لتحليل النصوص في إطارها التاريخي، والابتعاد عن التعميمات، حيث أشار الباحث بأنه سيتتبع آراء ثيسجر وفلسفته حول البدو في مؤلفاته الأخرى، وعلى هذا فأن الباحث استخدم منهجاً تكاملياً تكون من المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي وطريقة تحليل المحتوى. أما حدود الدراسة فقد اقتصرت على دراسة الرحالة ويلفرد ثيسجر وعلاقته بالبدو وبعُمان وبالصحراء. ويلحظ في هذه الدراسة دقة تحليل الباحث وسلامة استنتاجاته، كما يسجل للباحث مهارته في انتقاء هذا الرحالة، لأنه في الحقيقة من أهم الرحالة الأجانب الذين زاروا عُمان ووثقوا مشاهداتهم بروح الرحالة الباحث المولع بحب الصحراء والبادية، كما أن هذه الدراسة مهمة كون الباحث قد ناقش ببراعة مختلف الآراء التقويمية التي تناولت رحلة ثيسجر، وحاول بجرأة تقصي أبعاد شخصية الرحالة ثيسجر مع صعوبة الإحاطة بأبعاد هذه الشخصية المحبة للاكتشاف وللصحراء لدرجة المغامرة. كما قارن الباحث بين بارترام تومس و ويلفرد ثيسجر باعتبارهما قد عبرا الربع الخالي في رحلتيهما التي لا تختلف المسارات التي سلكاها كثيرا، فيرى بأن تومس قام برحلته مدفوعاً بحب الشهرة، في حين ثيسجر كان يحقق حلماً في معايشة البدو الذين شغف بهم حبا. اعتمد الباحث في دراسته على المراجع الانكليزية فقط وبذلك وفر معطيات مهمة عن ما كتب باللغة الإنكليزية حول الرحالة الذين زاروا عُمان. 4- دراسة علي بن سالم الراشدي(1977) بعنوان «عُمان في مذكرات الرحالين الأجانب، دراسة تحليلية لنتاج عدد من الرحالين الذين زاروا عُمان خلال القرن العشرين»، وهي من الدراسات التاريخية الفائزة في مسابقة المنتدى الأدبي، ونشرتها وزارة التراث القومي والثقافة، وقد تضمنت الدراسة ثلاثة فصول، تحدث الباحث في الفصل الأول عن عُمان في جغرافياً الموقع والسياسة، ولكن الباحث لم يكن موفقاً في تقسيم السكان، حيث قسم السكان إلى سكان الساحل وسكان الداخل، وقسم سكان الداخل بدورهم إلى قسمين: القسم الأول سكان المدن الحضرية، والقسم الثاني سكان البادية وأغلبهم من البدو الرحل، ويفهم من تقسيمه هذا استبعاد لسكان الساحل من أن يكونوا من سكان المدن الحضرية وحصر ذلك فقط في سكان الداخل، وكأن الساحل لا توجد فيه مدن أو سكان متحضرون. وفي حديث الباحث عن سكان الساحل، ذكر أنهم عادة ما يكونون خليطاً من البشر من عرب وعجم، وينتمون لعدة مذاهب إسلامية. ولنا على هذا الكلام عدة اعتراضات، فسكان الساحل عرب عُمانيون جميعاً (ونقصد المواطنين)، هذا من جهة ومن جهة أخرى المدن الساحلية ليس في عُمان وحدها وإنما في تاريخ الحضارة البشري كانت السباقة في حمل مشعل الحضارة والمدنية بحكم موقعها الذي مكنها من الاحتكاك بالحضارات الأخرى أكثر من المدن الداخلية، فكيف أقصاها الباحث من الوصف بالحضرية واقتصر سمة الحضارة على المدن الداخلية؟ والخطأ الآخر الذي يلام عليه الباحث، هو عندما عرض تحت عنوان أهم المدن قديماً لم يتحدث إلا عن مسقط وصحار وقلهات. فأين المدن التاريخية القديمة الأخرى ؟ كالرستاق، وصور، ونزوى، كما أنه أهمل مدن ظفار التي تضرب جذورها في عمق التاريخ مثل: سمهرم، ومرباط، وصلالة، فلم نجد ما يبرر من حيث المنهج اقتصار الباحث على ثلاث مدن وإهماله لبقية المدن القديمة، ولم يوضح الباحث المعيار الذي اعتمده في الأهمية. وتحدث الباحث في الفصل الثاني عن أهم الرحالين الذين زاروا عُمان حيث يبدأ بالرحالة جارستن نيبور 1765، والرحالة ايرفن شكسبير1902 والرحالة ويلستد 1835 والرحالة القس بيتر زويمر1893 وغيرهم، ويتضح من تواريخ زيارات الرحالة المذكورين بان بعضهم يقع خارج إطار حدود دراسة الباحث من الناحية الزمنية إذ أن عنوان الدراسة يقتصر على القرن العشرين. أما الفصل الثالث فقد أفرده الباحث للحديث عن عُمان في مذكرات الرحالين الأجانب، حيث تضمن ملاحظات ومذكرات الرحالة عن جوانب الحياة في عُمان، كالجانب الاقتصادي، والزراعة، وصيد الأسماك، والتجارة، والأسواق، وكذلك الجانب الاجتماعي، وتضمن الدين والعادات والتقاليد والضيافة والأزياء والرق، وسمات المجتمع البدوي وعاداته، وصحة المجتمع. واختتم الدراسة بثلاث توصيات، تحدثت عن ضرورة التعمق في دراسة نتاج الرحالين الأجانب، وترجمة كتبهم المحفوظة في بلدانهم وإعادة طباعة الكتب المترجمة. وتعد هذه الدراسة من الدراسات المهمة في مجال الرحالة واعتراضاتنا على بعض جوانبها المنهجية لا يقلل من أهميتها العلمية، وهي إحدى الدراسات التي نعتمد على بعض معطياتها في بحثنا الحالي. عمان الأرض والتاريخ: يذكر المؤرخ فيلبس، أن الرحالة «إيزيدور» قد قام برحلة، في القرن الأول الميلادي، من سورية إلى أفغانستان عن طريق «هيركاتيا»، ومازال كتاب رحلته محفوظا، وقد تضمن كتابه أن«جوسس» ملك أرض البخور العُمانية مات في العام السابع من حكمه بعد أن بلغ العام الخامس عشر بعد المئة من العمر، ويشير فيلبس إلى أن ذلك لابد كان في النصف الثاني من القرن الأول، وقد نستطيع أن نستنتج، مع تحفظات كبيرة، أن عُمان كانت مملكة مستقرة ومزدهرة في ذلك الحين. ويحدد هذا الكتاب بأن الأرض الواقعة شرق جزر «كوريا موريا» هي عُمان، وبأنها لم تعد مملكة كما كانت، بل أصبحت الآن مملوكة لفارس، ومن المعلوم ان الفرس في عهد قورش الكبير قاموا بغزو مزون أي عُمان حوالي 536 قبل الميلاد(5) وهناك رواية أخرى عن عُمان سجلها الكلبي، وهي تتحدث عن شخص يدعى مالك بن فهم، من قبيلة الأزد القحطانية، كان يقطن مأرب باليمن أواخر القرن الأول وتقول الرواية بأنه كان في ذلك الوقت لدى أقرب جيرانه، الذين يشملهم بحمايته، كلب ينبح كثيراً فيبعثر الماعز، وقد ضايق ذلك ابن شقيق مالك بصفة خاصة، فقتل الكلب برمحه، فشكا الجار إلى مالك، الذي غضب على شقيقه عمر، لأنه أنجب ذلك الابن قاتل الكلب...ولما كان مالك رجلاً شريفاً إلى حد كبير فقد صاح قائلاً «لن أعيش بعد الآن في مكان تقع فيه مثل هذه الأشياء لجاري العزيز» عندها جمع مالك أبناء قبيلة الأزد على وجه السرعة، وعددهم ستة آلاف، ورحل عن اليمن وقطع الرحلة الطويلة المرهقة على الأقدام عبر حضرموت، ثم اتجه إلى وادي مسيلة جنوباً ومنه إلى سيحوت على الساحل وأكمل أولئك الأشخاص الرحلة بحراً حتى هبطوا في النهاية عند قلهات التي تقع على مسافة 15 ميلاً شمال غرب صور على ساحل عُمان، وتقدمهم ألفان من أشجع المقاتلين بقيادة أصغر أبناء مالك العشرة، الذين هزموا الجيش الفارسي، وأصبح مالك أول عاهل مستقل في التاريخ على كل الأراضي التي تعرف الآن باسم عُمان، ويعتقد بأنه كان حاكماً عادلاً، وقد حكم لمدة سبعين عاماً حتى قتل وهو في سن المائة والعشرين، بسهم أطلقه عليه ابنه الثالث سليمة(*). وبعد ستين عاماً من الهجرة الأولى المفترضة لقبائل الأزد إلى عُمان جلت بعض الروايات حدوث موجة ثانية(6). ويؤكد العوتبي في مخطوطة أنساب العرب أن مالكاً دخل عُمان بعسكر جم من الخيل والرجال الذين بلغ عددهم ستة آلاف فارس وراجل، فوجد فيها الفرس فاعتزل بمن معه إلى جانب قلهات من شط عُمان ليكون ذلك أمنع لقواته(7) وتشير المراجع العربية إلى أن عُمان تعرضت لهجرة يمنية كثيفة العدد، نزحت من اليمن بعد انهيار سد مأرب في عهد شرحبيل بن يعفر الحميري في منتصف القرن الخامس الميلادي(8) ومع تباين وجهات النظر بين المؤرخين حول تاريخ انهيار سد مأرب إذ يرى بعضهم بأنه كان في منتصف القرن السادس الميلادي(9). وكما تؤكد المراجع بأن الأزد قد رحلوا عن اليمن ونزلوا أطراف شبه الجزيرة العربية، حيث نزل بعضهم في عُمان، أما بني عمر بن عامر الذي يرتفع نسبه إلى مازن بن الأزد، فقد نزلوا بمشارف الشام. ويذكر البلاذري أن الأزد بعد خروجهم من بلادهم تفرقوا إلى طوائف، فنزلت طائفة منهم عُمان، وطائفة السراة، وطائفة الأنبار والحيرة، وطائفة الشام.(10) أما عن أصل تسمية عُمان, فقد اختلفت الآراء في أصل التسمية، فقد أرجعه بعضهم إلى قبيلة عمان القحطانية، وأعاده آخرون إلى معنى الاستقرار والإقامة، أما الزجاجي فيقول: أن عُمان سميت باسم عمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام، في حين يرى ابن الكلبي أنها سميت باسم عمان بن سبا بن يغثان بن إبراهيم خليل الرحمن لأنه هو الذي بنى مدينة عُمان، أما شيخ الربوة فيقول: أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى عمان بن لوط عليه السلام، كما أن هناك من قال بأنها سميت كذلك لأن الأزد كانت لهم منازل تطل على واد الهم في مأرب يقال له عُمان، فشبهوها به. ومن المؤرخين الرومان الذين ذكروا عُمان يلينوس الذي عاش في القرن الأول الميلادي، وقد ورد اسم عُمان عند بطليموس الذي عاش في القرن الثاني للميلاد. كما سماها السومريون «مجان»، وربما عاد أصل التسمية إلى صناعة السفن التي كانت تشتهر بها عُمان، حيث ورد في النقوش المسمارية بان مجان تعني هيكل السفينة، كما سماها الفرس باسم«مزون»(11). أما الجغرافيون القدماء، أمثال ديودور الصقلي، وسترابون، وبطليموس، فقد كانوا قد قسموا بلاد العرب إلى ثلاثة أقسام رئيسة، العرب الصخرية، والعرب القفرة، والعرب السعيدة. وكانت عُمان تدخل ضمن بلاد العرب السعيدة، ولكن في العصور الوسطى اقتصرت هذه التسمية على اليمن فقط(12). أما فيما يخص تاريخ السكان الأوائل الذين استوطنوا عُمان فيشير مايلز إلى اقترن تاريخهم اقتراناً وثيقاً بتاريخ بقية سكان شبه الجزيرة العربية، وذلك من خلال استناده إلى مجموعة من الوثائق والآثار المصرية والعراقية وكذلك «سفر التكوين» والتي تلقي بعض الضوء على هذا التاريخ، حيث يؤكد ميلز بأن أول الشعوب التي انتشرت واستقرت في شبه الجزيرة العربية هم «الكوشيون» الذين ذكرهم الإنجيل، ولكن المعلومات عن أصل هذا الشعب تفتقر إلى التأكيد، وإن كان من المعتقد أنهم مصريون، وعلى الرغم مما حققه سكان عُمان من الأحباش من مشروعات تجارية إلا أنهم أخذوا يضمحلون عبر العصور تدريجيا، ثم أنهم تعرضوا لغزو عارم من الساميين الذين وفدوا من شبه الجزيرة العربية، وتمكنوا من طرد الأحباش وامتصاص بعضهم، وهذه الموجة المبكرة من القبائل السامية كما يقول المؤرخون العرب، نقلاً عن كتاب «كوسيين دي برسيغال» يعرفون بالعرب البائدة أو العاربة غير أنهم انقرضوا فيما بعد، وفي الفصل العاشر من سفر التكوين نقرأ أن قحطان قد ترك ثلاثة عشر ولداً استوطنوا سلسلة الجبال الوقعة في الشرق، ولعل الصلة بين لفظتي جوكتان وقحطان؛ التي هي عربية الأصل تقطع جميع الأدلة بصحتها وبالتالي فأن السلالة من ثلاثة عشر فرعاً أو قبيلة هي التي استمرت في استيطان النصف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية بصفة مستمرة(13). وإضافة لذلك نجد من يطلق أسم عُمان على «قلهات»(*)، كما ورد في تعليق السالمي على الشريشي الأندلسي الذي وصف عُمان بأنها مدينة حصينة على الساحل. ومن الجانب الآخر مياه تجري إلى المدينة، وفيها دكاكين وأشجار، مفروشة بالنحاس مكان الآجر، ويعلق السالمي على ذلك بقوله: «ولعله أراد بمدينة عُمان قلهات»(14). عُمان في كتابات الرحالة العرب: سليمان التاجر: يعد ما وردنا عن سليمان التاجر من المخطوطات المهمة التي وصفت عُمان في تلك الفترة من قبل عربي، فقد دون سليمان التاجر رحلته في مذكرات عام 237 هجرية الموافق 851 ميلادية، وهو لم يكن رحالة، ولا جغرافياً أو مؤرخاً، بل تاجراً من سيراف اسمه سليمان اعتاد السفر إلى الهند والصين لجلب السلع من هناك وبيعها في البلاد العربية. ولم يُعثر في الكتب والمخطوطات على بقية اسمه أو تفاصيل حياته، وقد عُثر على مخطوطة لكتاب «سلسلة التواريخ» الذي ألفه عراقي من مواطني سليمان عاش في القرن الرابع الهجري، بعد نحو ستين عاماً من تاريخ كتابة سليمان لمذكراته، ويدعى زيد حسن السيرافي وقد سجل رحلة سليمان، وأضاف أخباراً، وأقوال التجار. وقد عثر عليها المستشرق الفرنسي رينودو عام 1718 في إحدى مكتبات باريس الخاصة، وسلمت بعد ذلك إلى دار الكتب الأهلية، وقام رينودو بترجمة المخطوط للفرنسية ونشره بعنوان «أخبار قديمة من الهند والصين أوردها اثنان من الرحالة المسلمين، سافرا إلى هناك في القرن التاسع الميلادي» وبعدها نشر الأصل العربي وترجمته الفرنسية سنة 1845، وظهر بعد ذلك أن الأب رينودو أخطأ في نسب المخطوط لاثنين من الرحالة العرب، في حين أنه للتاجر سليمان، حيث قام المستشرق الهولندي فراند بنشر ترجمة جديدة للكتاب سنة 1921 مضيفاً فقرات من «مروج الذهب» للمسعودي ليكمل ما فيه من نقص(15). وقد وثق سليمان زيارته لعُمان، فقد روى بأنه أبحر من سيراف(16) عام 238 هجرية إلى مسقط، ثم إلى «كلم» على ساحل «مليبار» ثم مر بمضيق «تالك» شمال جزيرة سيلان، وعبر خليج البنغال فوصل إلى جزيرة لنجبالوس وتابع طريقه ليصل إلى ميناء خانفو أوكانتون الحديثه بالصين. وكانت الرحلة البحرية من مسقط إلى الصين تستغرق أكثر من أربعة أشهر(17). ولم يقتصر سليمان في وصفه على ذكر المراحل أو مايسمى بالبريبلوس(*) وتقدير المسافات بالأيام وأحياناً بالفراسخ بل ترك أيضاً وصفاً حياً للسواحل والجزر والموانئ المختلفة والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة، وفي حديث سليمان عن تجار العراق والصين وعلاقتهم بعُمان يقول: «فأما المواضع التي يردونها ويرقون إليها فذكروا أن السفن الصينية تحمل من سيراف، وأن المتاع يُحمل من البصرة ومن عُمان وغيرها إلى سيراف، فيعبأ في السفن الصينية بسيراف، لكثرة الأمواج في هذا البحر وقلة الماء في مواضع منه. والمسافة بين البصرة وسيراف مائة وعشرون فرسخا»(18)، فإذا عبيء المتاع بسيراف استعذبوا منها الماء وخطفوا وهذه لفظة يستعملها أهل البحر أعني أقلعوا إلى موضع يقال له مسقط، وهو آخر أعمال عُمان، والمسافة من سيراف إليه نحو مائتي فرسخ. وفي شرقي هذا البحر فيما بين سيراف ومسقط من البلاد سيف ابن الصفار(19) وجزيرة ابن كاوان(20)، وفي هذا البحر جبال عُمان، وفيها الموضع الذي يسمى الدردور(21)، وفيها الجبلان ويقال لهما «كسير وعوير»(22) وليس يظهر منهما فوق الماء إلا اليسير. فإذا جاوزنا الجبال صرنا إلى موقع يقال له صحار عُمان، فنستعذب الماء من مسقط من بئر بها، وهناك فيه غنم من بلاد عُمان، فتخطف المراكب منها إلى بلاد الهند، وتقصد إلى كولم ملي والمسافة من مسقط إلى كولم ملي شهر على اعتدال الريح(23). ويتضح من وصف سليمان التاجر للمناطق ومواقعها وأبعادها إتقانه للطرق وبراعته ودقته في وصفه للبلاد التي مر بها، وقد قال فيه المستشرق كرتشوفسكي بأن من يتتبع الطريق الذي وصفه سليمان فهو بدقة الخرائط الحديثة(24). المقدسي: هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي بكر البناء المقدسي (947ـ1000م)، وقد كان مولده في بيت المقدس، وكان حفيداً لبناء اشتهر ببنائه لميناء عكا في عهد أحمد بن طولون، أما أمه فتنتمي لأسرة من قرية (بير) من أعمال قومس على مقربة من خراسان، وقد يسرت له عوامل النسب والقرابة التعرف على نصف العالم الإسلامي، ودفعه ولعه بالأسفار إلى زيارة جميع أنحائه باستثناء الأندلس والسند وربما سجستان أيضاً، ولا يذكر المؤرخون أنه وضع غير كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» ويعتبره اشبرنجر «أكبر جغرافي عرفته البشرية قاطبة، ويرى بلاشير أن كتاب المقدسي أساسي لمعرفة العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، إذ لم يقتصر المؤلف فيه على ذكر المعطيات الأساسية التي وصلته من سابقيه، بل أضاف إليها ملاحظاته وتجاربه الشخصية».(25) ويورد المستشرق كراتشكوفسكي بأن الكتاب قد وجد في مسودتين، والمسودتان تنعكسان بوضوح تام في المخطوطتين المعروفتين لدى الدوائر العلمية واللتين ترتكز عليهما الطبعة العلمية الموجودة بين أيدينا الآن.(26) وأول من نشره هو «دي خويه» عام 1906 وآخر طبعاته نشرتها مكتبة مدبولي المصرية دون تحقيق. وهو كتاب وضعه المقدسي بعد أن طاف مملكة الإسلام فقط دون غيرها ويقول في هذا «ولم نتكلف ممالك الكفار لأننا لم ندخلها، ولم نر فائدة في ذكرها بل قد ذكرنا مواضع المسلمين منها»(27) حيث كتب في وصف صحار «صحار هي قصبة عُمان ليس على بحر الصين اليوم بلداً أجل منه، عامر، آهل، حسن، طيب، نزه، ذو يسار وتجار وفواكه وخيرات. أسواق عجيبة وبلدة ظريفة ممتدة على البحر، دورهم من الآجر والساج، شاهقة نفيسة، والجامع على البحر له منارة حسنة طويلة في آخر الأسواق، ولهم آبار عذيبة وقناة حلوة وهم في سعة من كل شيء، دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن، وقد غلب عليها الفرس، المصلى وسط النخيل ومسجد صحار على نصف فرسخ ثم بركت ناقة رسول الله (، قد بني أحسن بناء وهواؤه أطيب من القصبة ومحراب الجامع بلولب يدور، تراه مرة اصفر وكرة أخضر وحيناً أحمر ونزوة في حد الجبال كبيرة، بنيانهم طين والجامع وسط السوق».(28) ابن بطوطة: من أهم الرحالة العرب الذين زاروا عُمان الرحالة ابن بطوطة(1304ـ1375 ميلادي) وقد وصفه المستشرق الروسي كراتشكوفسكي بأنه رحالة نادر، يستهدف الرحلة لذاتها ويضرب في مجاهل الأرض استجابة لعاطفة لا تقاوم ورغبة جارفة للتعرف عل الأقطار والشعوب، وهو على النقيض من الغالبية العظمى من الرحالة العرب لم يجمع مادته من صفحات الكتب بل جمعها عن طريق التجربة الشخصية، وعلى الرغم من أن المواضع الجغرافية شغلت مكانة ثانوية بالنسبة لاهتمامه بالبشر(29) إلا أنه قدم وصفاً دقيقاً في كتابه «تحفة النظار في غرائب الأمصار» للمناطق التي زارها في عُمان ولاسيما ظفار، حيث يقول ابن بطوطة في مدينة ظفار ويقصد بها صلالة «وسوقها خارج المدينة وهي من أقذر الأسواق وأشدها نتنا، وأكثرها ذباباً لكثرة ما يباع بها من الثمرات. وأكثر سمكها النوع المعروف بالسردين، وهو بها في النهاية من السمن. ومن العجائب أن دوابهم إنما علفها من هذا السردين، وكذلك غنمهم، ولم أر ذلك في سواها. وأكثر باعتها الخدم، وهن يلبسن السواد، وزرع أهلها الذرة...ولهم قمح يسمونه العلس.. والأرز يجلب إليهم من الهند وهو أكثر طعامهم، ودراهمهم من النحاس والقصدير ولا تنفق في سواها، وهم أهل تجارة لا عيش لهم إلا منها. وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء. ولباسهم القطن، ويشدون الفوط في أوساطهم عوضاً عن السروال، ويغتسلون مرات في اليوم. وهي كثيرة المساجد ولهم في كل مسجد مطاهر كثيرة معدة للاغتسال». ويقول ابن بطوطة «ومن خواص هذه المدينة وعجائبها أنه لا يقصدها أحد بسوء إلا عاد عليه مكروه وحال بينه وبينها، وذكر لي أن السلطان» قطب الدين تمهتن بن طوران شاه «صاحب هرمز(*) نازلها مرة من البر والبحر، فأرسل الله ريحاً عاصفاً كسرت مراكبه، ورجع عن حصارها وصالح ملكها. وكذلك ذكر أن الملك المجاهد سلطان اليمن عين ابن عم له بعسكر كبير برسم انتزاعها من يد ملكها، وهو أيضاً ابن عمه، فلما خرج ذلك الأمير من داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعا، ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها».(30) ولكن كتابات المؤرخين المشفوعة بواقع المدينة القديمة الحالي المدمر لا تؤيد رواية ابن بطوطة ففي عام 1221 ميلادية (أي قبل زيارة ابن بطوطة لهالا بنحو مئة عام) دمرت ظفار على يد أحمد بن محمد الحبوضي التاجر الثري وصاحب السفن (من أهالي حضرموت ومؤسس أسرة حبوضي الحاكمة) وأعيد بناؤها بصورة شاملة بعد ثلاث سنوات باسم المنصورة التي كانت مدينة مزدهرة، (وتعرف أطلالها الآن باسم البليد) في العصور الإسلامية الوسطى(31). ويؤكد ذلك ابن المجاور النيسابوري الذي زار ظفار في العقود الأولى من القرن السابع الهجري فقال: «خرب أحمد بن عبد الله بن مزروع الحبوضي ظفار سنة 618، خوفاً من الملك المسعود أبي المظفر يوسف بن محمد بن أبي بكر الأيوبي، وبنى (المنصورة)». وهي على ساحل البحر، وقد أدير عليها سور من الحجر والجص، ويقال من اللبن والجص، وركب عليه أربعة أبواب: باب البحر، ينفذ إلى البحر، ويسمى باب الساحر، وبابان مما يلي البر، وهماً على أسماء ظفار المهدومة، أحدهما مشرق ويسمى باب (حرقة) ينفذ إلى عين عذبة، والثاني مما يلي المغرب ويسمى باب (الحرجاء). وقال: إن هواء (المنصورة) طيب، وجوها موافق، وماؤها من فلج عذب فرات. تطع بها الفواكه من كل فن: من فواكه الهند الفوفل والنارجيل، ومن فواكه السواحل قصب السكر والموز، ومن فواكه العراق الرمان والعنب، ومن النخل جمل، ومن ديار مصر الليمون والاترنج والنارنج، ومن السند النبق، ومن الحجاز الدوم وهو المقل. ومأكول أهلها السمك والذرة والكنب، ومطعوم دوابهم السمك اليابس، وهو العيد، ولا يزبلوا [يسمدوا] أراضيهم إلا بالسمك(32). أما عن منازلة صاحب هرمز التي ذكرها ابن بطوطة فيورد فيلبس استناداً إلى ابن زريق بأنه حوالي عام 1265 أبحر الأمير محمود بن أحمد، حاكم هرمز إلى ظفار حيث نهبها، ونقل العديد من أهلها، ثم عاد إلى قلهات بغنائم كبيرة، والظاهر أنه خلال رحلة العودة وقعت كارثة على جزء من قوة الأمير، وأدت إلى موت أكثر من 5000 شخص عطشاً وجوعاً.(33) والواقع أن مثل هذه الكارثة والهلاك جوعاً وعطشاً ما كانت لتقع لو أن صاحب هرمز عاد بالطريق ذاتها التي جاء بها إذ إن هلاكه هذا لا بد أن يكون قد تم في أثناء توغله في الصحراء، كما روى ابن مداد وابن زريق، بأن هجوماً من الملك الهرمزي على ظفار قد حصل عام 1261، حيث تصدى له أهلها فاستشهد عدد كبير منهم، وتمركز جيش الملك الهرمزي في المناطق الساحلية من ظفار حيث نهبوا الأسواق ومنازل الأهالي وسلب ما في أيديهم وسبي رقيقهم، وبلغ عدد السبي اثني عشر ألفاً (وهناً لا نعتقد أن السبي كان مقصوراً على الرقيق فلا بد أن يكون قد طال جميع فئات المجتمع. حيث لا بد من التساؤل هل كان في ظفار 12000 من الرقيق)، وحملت الأمتعة المسلوبة والرقيق على السفن، وأمر الملك الهرمزي ثلث جيشه بمرافقة هذه السفن على أن يسبقوه إلى قلهات، لكي يتجمع جيشه هناك، أما هو ومن بقي معه من جيشه فتوغلوا إلى الداخل قاصدين داخلية عُمان عن طريق البر. حيث تاهوا في الصحراء، وهلك الملك ومن معه، ويروي ابن زريق في سبب تيههم إلى أن الملك الهرمزي عندما وصل إلى منطقة قبائل القرى «مجموعة من القبائل تسكن جبل شاهق في ظفار» استعان بعشرة رجال منهم ليدلوه على الطريق إلى داخل عُمان، فلما توسطوا بهم البر هربوا عنهم ليلاً فأصبحوا حائرين يترددون في رمال عالية وفيافي خالية فتاهوا في تلك الصحارى الواسعة فرادى وجماعات دون أن يهتدوا إلى طريقهم واستمروا على تلك الحال حتى نفد عليهم الماء والطعام ولم يجدوا لدوابهم علفاً فنفقت من العطش والجوع فهلك الملك الهرمزي والغالبية العظمى من جيشه، ومن لم يهلك من الجوع والعطش أجهز عليه سكان البادية ولم ينج منهم سوى نفر قليل، واصلوا سيرهم براً حتى وصلوا جلفار «رأس الخيمة حالياً» ومنها عبروا إلى جزيرة هرمز. أما أولئك الذين رجعوا من ظفار عن طريق البحر، فقد أرسوا سفنهم في قلهات, وجعلوا عليها من يحرسها وقصد غالبيتهم طيوي فصدهم عنها بنو جابر ومن معهم من القبائل العُمانية وقتلوهم جميعاً ودفنوا هناك في مدافن جماعية تعرف اليوم بقبور الترك، وقد أشار ابن زريق في كتابه الفتح المبين إلى أن رجالاً من قبيلة بني جابر العُمانية ومن تبعهم هجموا على الذين أوكل إليهم حراسة السفن بميناء قلهات فقضوا عليهم جميعاً وأخذوا ما وجدوه بسفنهم ثم أضرموا فيها النار(34). ولم يتوقف تدمير ظفار عند هذا الحد بل يذكر فيلبس استناداً إلى (مايلز وجيست) بأنه بعد أقل من عشر سنوات بعد مهاجمة حاكم هرمز لظفار، قام المقاتل الحضرمي سليم بن إدريس الحبوضي (آخر حاكم من آل الحبوضي) عام 1271 بفتح كل ظفار بعد أن سلب في البداية، مدينة شيبام، ولكن حكم سليم لظفار لم يدم طويلاً إذ هاجمه ملك اليمن بعد حوالي سبع سنوات من تاريخ استيلائه على ظفار. ففي عام 1278 هاجم ملك اليمن ظفار بثلاث فرق، اثنتان بطريق البر، وواحدة بحرا، وخلال معركة وحشية دارت قرب ريسوت قتل سليم و300 من رجاله، بينما أخذ 800 من الرجال كعبيد، وأضيفت ظفار وحضرموت إلى ممتلكات اليمن، وتلقى ملك اليمن التهاني على غزوته الناجحة، مع جوادين ونسرين ذهبيين من قحطان بن عمر ملك عُمان من آل بني نبهان(35). ويور فيلبس أيضاً بأنه في عام 1526 قام سرب بحري برتغالي بقيادة «هكتور داسيلفيريا» تنفيذاً لأوامر حاكم جوا بمهاجمة وتدمير أجزاء من ظفار(36). أما عن وصف ابن بطوطة للمساجد التي شاهدها في ظفار، فقد لاحظت في أثناء زيارتي لآثار المدينة القديمة في البليد، آثار تلك المساجد التي تحدث عنها ابن بطوطة، وكذلك آثار المسجد الكبير الذي استضاف خطيبه عيسى بن علي ابن بطوطة، وقد تم تحديد آثار ما يقرب من 55 مسجداً والعمل قائم لاكتشاف آثار المساجد الأخرى، كما لاحظت أن لكل مسجد بئراً وحمامات للاغتسال واضحة معالمها في آثار بعض المساجد، ولكن باستثناء المسجد الأعظم فإن المساجد الأخرى جميعها صغيرة، بنيت من حجارة سوداء ولم تظهر فيها آثار للأعمدة المنحوتة التي تظهر في المسجد الأعظم. وقد رصد ابن بطوطة الأمراض السائدة في ظفار والمنتشرة بين أهلها حيث قال: «والغالب على أهلها رجالاً ونساء المرض المعروف بداء السفيل، وهو انتفاخ القدمين، وأكثر رجالهم مبتلون بالأدر»(*)، والعياذ بالله، ومن عوائدهم الحسنة التصافح في المسجد أثر صلاة الصبح والعصر. كما أشار ابن بطوطة إلى تشابه الأسماء بين جواري الظفاريين وخدام المغرب حيث لاحظ أن جواري خطيب مسجدها الأعظم عيسى بن علي مسميات بأسماء خدام المغرب، أحداهن اسمها بخيته والأخرى زاد المال، يشار أن اسم بخيت وبخيته هما من بين الأسماء التي مازالت منتشرة على نطاق واسع في ظفار. وقد ذكر ابن بطوطة بأنه لم يسمع بهذه الأسماء في بلد سواها، ومن بين وصف ابن بطوطة للباس أهل ظفار ذكر بأن رؤوسهم مكشوفة، ولا يجعلون العمائم عليها. أما الآن فلا تجد أحد من أهل ظفار مكشوف الرأس، أما مكشوفو الرأس فهم عادة من غير العُمانيين المقيمين في ظفار. وعلى مسيرة نصف يوم من هذه المدينة الأحقاف، وهي منازل عاد وهناك زاوية ومسجد على ساحل البحر، وحوله قرية لصيادي السمك، وفي الزاوية قبر مكتوب عليه، هذا قبر هود بن عابر عليه السلام، وقد ذكرت أن بمسجد دمشق موضعاً مكتوب عليه قبر هود بن عابر، والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنها بلاده والله أعلم. ولهذه المدينة بساتين فيها موز كبير الجرم..وهو طيب الطعم شديد الحلاوة، وبها أيضاً النارجيل المعروف بجوز الهند. وسلطان ظفار هو السلطان الملك المغيث بن الملك الفائز ابن عم ملك اليمن، وكان أبوه أميراً على ظفار.. وعادته أن لا يعارضه أحد في طريقه ولا يقف لرؤيته ولا لشكاية وغيرها، ومن تعرض لذلك ضرب أشد الضرب، فتجد الناس إذا سمعوا بخروج السلطان فروا عن الطريق وتحاموها، وقد حضرتني عند قراءة وصف ابن بطوطة لعادة ذلك السلطان عند ظهوره في الطرقات، المقارنة بما هو عليه الحال في تعامل صاحب الجلالة قابوس بن سعيد مع مواطنيه، حيث لاحظت خروج خلق كثيرين من أطفال وشباب ورجال ونساء إلى الشوارع عند قدوم جلالته، ويقضي بعضهم ساعات طويلة في الأماكن التي يتوقع مرور جلالته فيها، كي يحصلوا على شيء من فضله وعطاياه. ويتابع ابن بطوطة مبحراً على الشواطئ العمانية باتجاه الشمال، حيث نزل بمرسى حاسك، ووصف شجر الكندر بأنه رقيق الورق، وإذا شرطت الورقة منه، قطر منها ماء شبه اللبن ثم عاد صمغاً، وذلك الصمغ هو اللبان، وهو كثير جداً هناك. أما النشاط الأساسي لأهل حاسك فهو صيد السمك، ومن ثم يتابع إلى جزيرة الطير والتي تسمى اليوم بحمر النفور، وقد لاحظ أن من رافقوه بالمركب من أهل ظفار كانوا يأكلون السمك المشوي بالتمر، وهذه الطريقة في تناول السمك مع التمر مازالت قائمة لدى الظفاريين إلى الآن، فقد أشار علينا بعض الأصدقاء بتناول السمك مع التمر، فهي الطريقة المتبعة في تناول السمك في ظفار، وهكذا فأن مئات السنين لم تقطع الظفاريين عن تراثهم وثقافتهم في الطعام واللباس، والأهم من ذلك حفاظهم على تلك السمات من الطيبة، وحسن الأخلاق، والفضيلة، ومحبة الغرباء، التي لاحظها ابن بطوطة قبل مئات السنين، وكأنه يوثق الواقع الحالي لهذا المجتمع. وبعد ذلك يصف ابن بطوطة جزيرة مصيرة بقوله، هي جزيرة كبيرة لا عيش لأهلها إلا من السمك، وقد كان ابن بطوطة لاحظ أن بعض أهل هذه الجزيرة قد طبخوا طيوراً اصطادوها من دون ذبح، فكره ابن بطوطة ذلك منهم، فيقول ابن بطوطة: «وكنت قد كرهتهم(أي أهل جزيرة مصيرة) لما رأيتهم يأكلون من غير زكاة» ومن ثم يتابع إلى صور، ومنها رأى مدينة قلهات، ويقول فيها بأنها حسنة الأسواق ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشاني، وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر، وأكلت بهذه المدينة سمكاً لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم، وهم يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه. والأرز يجلب لهم من أرض الهند وهم أهل تجارة، ومعيشتهم مما يأتي من إليهم في البحر الهندي، وإذا وصل إليهم مركب فرحوا به أشد الفرح. وكلامهم ليس بالفصيح مع أنهم عرب، وكل كلمة يتكلمون بها يصلونها بلا فيقولون: «تأكل لا، تمشي لا، تفعل كذا لا..» ووصل الكلام بلا مازال قائماً إلى الآن. وبمقربة من قلهات قرية طيبي، (وهي اليوم طوي) ويصفها ابن بطوطة آنذاك بأنها من أجمل القرى وأبدعها حسنا، ذات أنهار جارية وأشجار ناضرة وبساتين كثيرة، ومنها تجلب الفواكه إلى قلهات وبها الموز المعروف «بالمرواري» وهي كلمة فارسية تعني الجوهر. ويقول ابن بطوطة: ثم قصدنا بلاد عُمان، فسرنا ستة أيام في صحراء ثم وصلنا عُمان اليوم السابع،وهي خصبة ذات أنهار وأشجار وبساتين وحدائق ونخل وفاكهة كثيرة مختلفة الأجناس. ووصلنا إلى قاعدة هذه البلاد وهي مدينة نزوا ( وفي معجم البلدان نزوة) ويصفها ابن بطوطة بأنها مدينة في سفح جبل تحف بها البساتين والأنهار، يأتي كل إنسان بما عنده ويجتمعون للأكل في صحن المسجد ويأكل معهم الوارد والصادر. ولهم نجدة وشجاعة، والحرب قائمة فيما بينهم أبدا، ويعدد ابن بطوطة مدن عُمان فيقول ومن مدن عُمان زكي، لم أدخلها وهي على ما ذكرلي مدينة عظيمة، ومنها القريات، وشبا، وكلبا، وخور فكان، وصحار، وكلها ذات أنهار وحدائق وأشجار ونخل، وأكثر هذه البلاد في عمالة هرمز(37). عُمان في أدب الرحالة الأجانب: الرحالة بريبلوس: يعد كتاب «بريبلوس» «البحر الأوتيري» «The Periplus of The Erythraean Sea» من أقدم ما وصلنا من كتابات تصف عُمان وشواطئها، ويلخص هذا الكتاب معارف اليونانيين والرومانيين عن شواطئ المحيط الهندي، وسكان هذه المناطق وأنماط تجارتهم. ويختلف الباحثون في تحديد تاريخ كتابته، فبعضهم يعيده إلى القرن الأول الميلادي، في حين يرجعه فريق آخر إلى القرن الثاني، وفريق ثالث يرى أنه يعود إلى النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، كما أنه لا يوجد اتفاق على مؤلفه، ولكن بعض الباحثين يرون أن بريبلوس تاجر أو رحالة روماني من مصر. ويتضمن هذا الكتاب وصفاً لشاطئ عُمان الجنوبي والشرقي حيث يشير فيه إلى أن خليج (القمر) يسميه خليج (عمانا)Omana bay يلي رأس (سياغرس) Syagrus من جهة الشرق أي رأس فرتك. ويصف هذا الخليج بأنه واسع ويمتد في اليابسة إلى مسافة بعيدة، وهو محاط بجبال تشتمل على كهوف مسكونة، وإلى الشرق منه يقع ميناء تجاري يدعى (سمكا) والذي يبعد نحو 500 اصطاديون، أي ما يقارب خمسين ميلا، ويصدر من هذا الميناء اللبان الذي يجمع بأكوام على الساحل، دون حراسة، ولا يمكن أن تحمل منه السفن أي شيء إلا بإذن الملك، وإلا فلن تقلع من الميناء. وقد عرف هذا الميناء باسم (سمهرم) والواقع على (خور روري ) إلى الشرق من مدينة طاقة على ساحل إقليم ظفار، وقد وقفت على آثار مدينة سمهرم التي ما تزال قائمة وتتحدث عن تاريخ عريق لهذا الميناء، وتجري الآن هناك عمليات تنقيب أثرية من قبل بعثات متخصصة بالتنقيب عن الآثار. ويذكر بريبلوس أن المراكب التي تتأخر في السفر إلى موانئ ساحل الهند الغربي كانت تمضي الشتاء في هذا الميناء. وإلى الشرق منه تنتصب سلسلة من الجبال على الشاطئ(38)، وتأتي بعدها سبع جزر تسمى( زينوبيان)Zenobian (39). كما يذكر بريبلوس بأن الساحل كان خاضعاً لسيطرة الفرس، وإلى الشرق من هذه الجزر ستجد جزيرة تسمى (صرابس)(40)Sarapis ، تصدر منها كميات كبيرة من صدف السلاحف الفاخر، وتسير بعدها بموازاة الساحل نحو الشمال إلى مدخل الخليج، وبعد نحو من 200 ميل تجد جزر صغيرة كثيرة تسمى (كالاي)Calaei(41)، وبعد ذكره لميناء(ابولوجوس) وهو الميناء التجاري المعروف برأس الخليج وتسميه العرب (الأبله) يقول وبعد إبحار ستة أيام على طول مدخل الخليج وصلنا إلى ميناء تجاري آخر يدعى (عمانا) Ommana وهنا تتباين آراء الباحثين حول المقصود بعمانا، فبعضهم يراه ميناء صحار التجاري في حين يعتقد آخرون بأنه قد وصل إلى شاطئ الإمارات المتحدة، وفريق ثالث يرى بأنه قد وصل إلى ساحل فارس(42). ولكن على الأغلب بأنه وصل إلى ميناء صحار إذ أن عدد الأيام التي تقضيها السفن الشراعية ليس معياراً لتقدير المسافة، لأن المسافة التي تقطعها هذه السفن هي رهن بالرياح فيما إذا كانت مواتية أم لا. الرحالة ماركو بولو: ومن الأجانب الذين زاروا المنطقة ووصلتنا الوثائق التي وصفوا فيها مشاهداتهم، المؤرخ الشهير ماركو بولو البندقي الإيطالي (1254ـ1323م) الذي دفعه حب الأسفار إلى اجتياز كل آسيا عن طريق منغوليا وعاد عن طريق سومطرا والذي عهد إلى كاتب له في إخراج مذكراته في كتاب اسمه «كتاب ماركو بولو»(43) حيث وصل إلى مرباط عام 1285 ميلادية وكان وصفه لها على النحو الآتي: «ظفار بلد عريق وجميل ويقع على منطقة تبعد مسافة 500 ميل إلى الشمال الشرقي من الشحر، وسكانها عرب، وهم يحترمون زعيمهم الذي يخضع لسلطان عدن، لأن هذه البلدة لا تزال تابعة لعدن، وهي تطل على البحر، ولها ميناء جميل يتيح للسفن التحرك بصورة نشطة، ويقوم التجار بنقل أعداد كبيرة من الخيول العربية إلى الأسواق، ويربحون من ورائها أرباحاً طائلة، وللبلدة قرى ومناطق كثيرة تابعة لسلطتها، وهي تنتج كميات هائلة من اللبان، وسوف أقص عليكم كيف يتم إنتاج هذه المادة، حيث يتم شق شقوق في مواضع عديدة فيها بالسكين، ومن تلك الشقوق ينبثق اللبان، وأحياناً يسيل اللبان من شجرته من تلقاء نفسه عند اشتداد حرارة الشمس»(44). ويضمن فيلبس مقطعاً من وصف ماركو بولو لمدينة ظفار يشتمل على مغالطة لم يعلق عليها المؤرخ فيلبس، حيث يقول ماركو بولو في وصفه ما يأتي: «ظفار مدينة عظيمة، نبيلة وجميلة، تقع على مسافة خمسين ميلاً إلى الشمال الشرقي من السر، والأهالي هناك من عبدة النار» وهذا غير صحيح إذ أن أهلها كانوا مسلمين، فقد زارها ابن بطوطة بعد فترة وجيزة من زيارة ماركو بولو وعلى العكس من ذلك فقد أشاد بكثرة مساجدها. ويذكر الجغرافي العربي الإدريسي، أن ظفار في عام 1145 كانت تابعة لعُمان وكان يحكمها أحمد بن محمد المنجوي، أما ياقوت الحموي فيذكر أنه في عصره ( أوائل القرن الثالث عشر) بأنها كانت تابعة للبحرين ( وهو اسم كان يستخدم يومئذ على الأرض الواقعة في شبه الجزيرة العربية، وليس مقصوراً على الجزيرة التي تحمل هذا الاسم الآن.(45) وقد استرعت عُمان انتباه المؤرخ الصيني «تساو جوركوا» الذي كتب في مؤلفه الذي كتبه في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي في وصف الشعوب( التشوفان تشي- ويسمى كذلك سجل الأمم الأجنبية): «أن بلاد» يونج مان «(عُمان) تشبه» وو با «(صحار) في سكانها ومنتجات أرضها، ويضع رئيس البلاد عمامة على رأسه، ويلتف في حرير خفيف، ولكنه لا يرتدي أي ثياب، ويسير حافي القدمين، كما أن خدمه لا يضعون أي لباس على رؤوسهم ويسيرون حفاة، ولكنهم يلفون أنفسهم بالسارونج لتغطية أجسامهم، وهم يعيشون على الكعك المصنوع من الذرة، ولحم الضأن ولبن الأغنام، والأسماك، والخضروات. وتربتها خصبة، ويوجد اللؤلؤ على طول الساحل، وتربى الخيول في الجبال على نطاق واسع، والدول الأخرى التي تتاجر معها تشتري الخيول واللؤلؤ والبلح، ويحصلون مقابلها على بذور حب الهال، والكافور».(46) الرحالة أوفنيجتون: ويعد القس البريطاني أوفنيجتون من أوائل من قدموا الصور الاجتماعية التي تصف أهل عُمان، وذلك عندما نشر انطباعاته عام 1689 حيث يورد «روبين بيدول» مقاطعاً منه يقول فيها: «أن ما يتمتع به العرب أهل مسقط من اتزان وضبط للنفس ونزوع إلى العدل والإنصاف يندر أن تجد شيئاً قريباً منه في أي مكان آخر بالعالم في هذه الأيام، فلا يوجد أحد أكثر منهم اعتدالاً في مأكلهم ومشربهم، حتى الشاي والقهوة يحرمونها على أنفسهم مثلما يحرمون الجعة والخمر».(47) ويبدو أن الأب أوفنيجتون قد بالغ قليلاً في قوله بتحريم أهل مسقط للشاي والقهوة، وقد يعود عدم ملاحظة أوفنيجتون تعاطي أهل مسقط للشاي والقهوة إلى أنهما لم يصبحا بعد آنذاك من المشروبات الشائعة في مسقط. ويضيف اوفنيجتون: «أن عامة الناس لا يتعرضون أبداً للعنف أو الإهانة من الكبار، ولا يقاسون من أي نوع من التسلط، وحتى عندما يستشيط مخدومٌ غضباً لسبب أو آخر فأنه لا يستطيع أن ينزل جام غضبه على خادمه. كما لا يحق للأب أن يضرب ابنه أو يعاقبه عقاباً عنيفاً كلما أراد، وحتى الحكومة تعارض إراقة الدم. والمجرمون والقتلة يكتفى بوضعهم في السجن وتركهم هناك يعيشون خلف الجدران حتى يلقوا حتفهم في هدوء» وهذه من أجمل الصور التي تصف الحياة الاجتماعية والسياسية التي تمثل موقعاً متقدماً في التعامل الحضاري الذي سبق الحضارات الغربية في احترام حقوق الإنسان، وتطبيقات عملية مبكرة لنظريات التربية وعلم النفس في أصول التعامل الإنساني التي وضعها علماء التربية وعلم النفس بعد هذا التاريخ بقرون، ولكن روبين لم يقتنع بهذه الصورة ويورد قول الكابتن الكسندر هاميلتون الذي يشكك فيما قاله اوفنيجتون، بأنه لم يقترب في حياته من مسقط، وإنما اكتسب معلوماته نقلاً عن مصادر هندية، مع أن هاملتون ذاته يعترف لأهل مسقط بأنهم على قدر كبير من حسن الخلق والتحضر.(48) وفي الحقيقة أن اعترض هاملتون لا يقلل من قيمة هذه الحقائق التي أوردها اوفنيجتون سواء كان قد شاهدها بنفسه أو سمعها من الهنود فهم بالنسبة لنا يعتبرون مصدراً محايداً للمعومات المذكورة عن المنطقة. كما زار اوفنيجتون ظفار عام 1692 ووصفها بأنها بلد مزدهر بالتجارة ويقع على الساحل ولكنه لم يذكر شيئاً عن اسم حاكمها، وإنما قال إن سكان ظفار في حروب مستمرة مع الشحر وكيشين كما أنه وجد الناس فيها لا يميلون إلى الأجانب أو يقدمون لهم الضيافة، وأن ظفار تنتج اللبان وجوز الهند والزبدة. وفي عام 1705 تحدث الكابتن هاملتون مؤلف كتاب «معلومات جديدة عن الهند الشرقية» عن زيارته فأيد رأي اوفنيجتون عن أهل ظفار تجاه الأجانب بأنه موقف يتسم بالريبة والحذر ولكنه هو الآخر لم يكتب شيء عن الأوضاع السياسية للبلاد، ويذكر في كتابه بأنه في السنة ذاتها التي زار فيها ظفار رست سفينة انكليزية على ساحل ظفار للتزود بالماء، وأن أهلها توافدوا على السفينة يعرضون منتجاتهم للبيع. وقد شعروا أن بحارة السفينة الانكليزية الذين لم يكن يتجاوز عددهم الستة أو السبعة غير مسلحين مما شجع الظفاريين على مهاجمة البحارة ونهب السفينة ثم خرقها.(49) الرحالة فينسينزو ماوريزي: ومن الأجانب الذين قدموا وصفاً لأهل عُمان الطبيب الإيطالي «فينسينزو ماوريزي» الذي كان يحمل اسماً عربياً هو الشيخ منصور حيث عمل كرئيس للأركان وكطبيب شخصي للسيد سعيد بن سلطان الذي تولى العرش سنة 1807، وقد صنف كتاباً عنوانه «تاريخ السيد سعيد» قدم فيه المؤلف صورة طيبة عن العُمانيين، وقد وصف في أحد فصول كتابه وليمة حضرها تعبر عن الكرم الأصيل لأهل عُمان، وباعتبار الطعام بأصنافه وطرق إعداده وتقديمه تعتبر مكوّناً من المكونات الثقافية للشعوب فإننا نورد ما شاهده وكتبه ماوريزي: «على الأرض امتد مفرش طويل من قماش القطن، وعليه عدد لا حصر له من الأطباق المصنوعة من الصيني الفاخر، بها مالا يقل عن 50 دجاجة مشوية وكميات ضخمة من المحشي، واللحوم الملفوفة بأوراق البنجر، الذي تجده مع السبانخ والكرنب مزروعاً في كل حديقة، وأطباق مملوءة بضلوع الضأن....الخ وفي وسط السماط كان هناك صحنان كبيران من الخشب عليهما عدة خراف مشوية على قمة جبلين من الأرز، وإلى جانب هذا كله كمية كبيرة متنوعة من المشهيات...الخ» وهذا يعد مؤشراً هاماً على غنى التراث العُماني فيما يتعلق بأنماط الطعام والذوق الرفيع في أصول تقديمه وحسن الوفادة والضيافة. كما يروي «ماوريزي» أن في مسقط عدداً غير قليل من السحرة القادرين على «سخط» أي إنسان إلى شاة ولذلك فمن حسن الفطن أن يتمعن المرء جيداً فيما يعرض عليه في السوق من ماشية وأغنام حتى لا يقع ضحية لبعض هؤلاء السحرة، ومن حسن الحظ أن هناك علامات معينة تميز الحيوان الحقيقي عن الحيوان المسخوط «ويؤكد ماوريزي روايته قائلاً أن خادمه الخاص التقى ذات يوم بشاة في الطريق وفوجئ بها تتحدث إليه بلسان عربي مبين»(50) فما علينا إلا إلغاء عقولنا وتصديق خادم ماوريزي. وقد روى لي بعض طلبتي قصصاً مشابهة، على سبيل الدعابة ،عن أفعال السحرة وطيرانهم، لاسيما في مدينة بهلا التي تنسب لها كثير من هذه الأساطير، وتجمعهم في خور روري إلى الشمال من طاقة في أيام محددة، ولكن كل هذا يقع في إطار أنماط التفكير الخرافي والأساطير الشعبية التي يتعهد عنصر الغرابة فيها باستمرار تواترها لأجيال. الرحالة هاينز: يرى روبين بيدول أنه لم يصل إلى أسماع الغرب الشيء الكثير عن ظفار حتى الثلاثينات من القرن التاسع عشر، حينما بدأ الأسطول الهندي (البريطاني) يمسح شواطئها، وهذا دليل على أن كثيراً من كتابات الضباط الإنكليز والرحلات التي قام بها هؤلاء العسكريون ما هي إلا عمليات استطلاع عسكرية، تستكشف سواحل الخليج وعُمان مما يؤيد ما ذهبنا إليه سابقاً في الحديث عن غرض أغلب هذه الرحلات، ومن أفضل مادون في أثناء عملية المسح هذه، رواية الكابتن هاينز، وهو النقيب ستافرد هاينز الذي أبحر في عام 1834 ووصل إلى مرباط في المنطقة الجنوبية من عُمان، حيث التقى في أثناء تجواله بين القبائل برجل أمريكي كان قد أسر في إحدى المعارك البحرية قبل ذلك بنحو 30 عاما، ثم استقر به المقام مع القبيلة التي أسرته وتزوج من فتاة عربية بعد أن أشهر إسلامه، وقد شاهده هاينز أكثر من مرة واقفاً بين العرب يتفرجون على الإنكليز وهم يلعبون الكريكيت.(51)وهذه قصة الأمريكي «جوهانس هيرمان بول» الذي أصبح اسمه فيما بعد عبد الله محمد عقيل، حيث أن محمد عقيل هو الذي تبناه واسماه بعبد الله، وله قصة طويلة مؤثرة معروفة لدى أهالي ظفار الآن حتى إن أحفاده معروفون في المجتمع الظفاري الآن. وقد مسح هاينز الشاطئ الجنوبي من ظفار إلى صور حيث أشار إلى خصوبة التربة في ظفار وقدم وصفاً دقيقاً لأهل ظفار ولاسيما ( قبائل القرا) الذين يتميزون بأجسام ممشوقة رياضية ومعظمهم مسلحون بعصي عجيبة من الخيزران يضربون بها الأرض فتقفز قفزات هائلة قاتلة قادرة على قتل هدفها من على بعد مائة قدم. ويروي هاينز في توثيق عادات السكان وتقاليدهم بأن أهل ظفار مضيافون إلى أقصى درجة، حيث تحدث مساعده سميث، الذي كان قد أرسله هاينز بالنيابة عنه في استكشاف جبل سمحان.(52) وقد أسمى سميث هذا نفسه بأحمد وأصبح محبوباً لدى قبيلة( القرا) وأكرموا وفادته حيثما حل، حتى أنهم لم يسمحوا له بشرب ماء الجداول والينابيع، وكلما رأوه يهم بذلك هرعوا إليه بأقداح الحليب قائلين له: «حتى لا تعود إلى موطنك وتقول إننا أعطيناك الماء في حين لا نعطي أطفالنا إلا الحليب»، وقد كانوا يجلسونه في كل المناسبات في أفضل مكان قرب النار طلباً للدفء وعينوا بعض الرجال لخدمته. وقد زادوا في كرمهم بالنسبة إليه إذ عرضوا عليه زوجة وبعض الخراف شريطة أن يقبل البقاء بينهم والعيش معهم.(53) الرحالة ويلستد: الرحالة جيمس رايموند ويلستد ضابط في الأسطول البريطاني، زار عُمان بين عامي 1835-1836، وشارك في مسح شواطئ الجزيرة العربية، وفي عام 1838 نشر ويلستد كتابين عن قصة سفراته ورحلاته إلى التخوم والأطراف الجنوبية الغربية في شبه الجزيرة العربية، ويرى «بيدول» بأنه من المرجح أن يكون ويلستد هو أول من سجل جانباً من النقوش والكتابات الحجرية باللغة الحميرية التي وجدها في حصن الغراب. وقد شجعه السيد سعيد بن سلطان على القيام باستكشافاته، وأهداه جواداً أصيلاً، ومجموعة من كلاب الصيد، وسيفاً بقبضة ذهبية، والتزم بنفقات الرحلة كلها. وقد تغنى بجمال عُمان فيقول: «..وأشجار اللوز والليمون والبرتقال تلقي من علوها الشاهق بعبيرها الفواح...فإذا بنا لا نملك إلا الهتاف دهشة وعجبا؛ أهذه هي الجزيرة العربية؟ هل هذه هي الأرض التي قيل لنا أنها صحراء قفراء لا حياة فيها ولا ماء. ها هنا على مد البصر حقول شاسعة من القمح وقصب السكر تمتد أميالاً بعد أميال. وجداول الماء الرقراق تنساب تحت أقدامنا كأنها ينابيع الجنة. وعلامات الرضا على وجوه المزارعين تضيف لمسات أخرى جميلة على الصورة الباسمة... إنني أكاد أقول إننا أخيراً وصلنا إلى الأرض العربية المباركة التي كنت اعتقد من قبل أنها لا توجد إلا في خيال شعرائنا القدامى».(54) كما ذكر ويلستد في مذكراته بأن الأهالي أحسنوا وفادته ورحبوا به، ويتضح بأن ويلستد استمتع بالحياة مع العرب، وشاركهم بعض عاداتهم، فقد كان سعيداً بتناول لحم الجمل، والخراف المشوية، وأعجب بصلابتهم، واعتزازهم بقيمهم. ومن رواياته التي يوردها بيدول حكاية الرجل الطاعن في السن حيث كان يشكو من ألم هائل فكان إذا اشتد به الألم يرمي بنفسه من فوق ظهر الجمل ويتقلب على الأرض ومع ذلك لا يسمح للفظة تأوه واحدة أن تصدر عنه. كما يروي بيدول بأن ويلستد قدم لبعض العرب الذين تعامل معهم حبوب العنبر، وأحياناً بعض الأفيون باعتباره عقاراً يساعد على النشاط، فكانوا يقدمون له في المقابل عصيراً وهو عبارة عن مزيج من عصير العنب والرمان ولكنه لم يستطب مذاقه. ويوثق ويلستد لوحة تمثل المساومات وطقوسها في البيع والشراء، من خلال وصفه للطريقة التي يتم بها الاتفاق على استئجار الجمال فيقول: «تبدأ المساومات عادة بصوت خفيف، حيث يطرح أحد الطرفين سعراً يزيد عشر مرات عن السعر الذي يعتزم قبوله، أو يتوقع من الآخر أن يقبله. فيكون الرد على هذا نظرة استنكار تعبر عن منتهى الدهشة، وأحياناً تكون مصحوبة بصوت استهزاء وشيئاً فشيئاً تزداد حرارة الجدال. ويغير الطرفان مكان جلوسهما مرة بعد مرة. وفجأة يعلو صوت الشيخ العجوز فوق صوت خصمه...ثم فجأة أيضاً ينصرفان إلى حديث هامس كأنما يخشيان أن تحمل الريح كلماتهما إلى آذان الآخرين، ومع ذلك يمكن أن يسمع المرء بعض عبارات متفرقة .. وأيمان مغلظة أو يرى إشارات تنم عن الرجاء والمحايلة. ثم قد ينهض احد الاثنين غاضباً مصمماً على الانصراف وقطع حبل المفاوضات، فيجري خلفه احد المرافقين يتوسل إليه أن يعود .... ويتكرر هذا المشهد عدة مرات قبل أن يصل الطرفان إلى تسوية»(55). ويتضح من خلال هذا الوصف براعة ويلستد في تقديم لوحة متكاملة ودقيقة تجعل من يقرأ وصفه وكأنه يعايش الموقف لحظة بلحظة، وهو بذلك وثق صورة نادرة لطريقة التعامل في الأسواق في تلك الفترة. أما في وصف ويلستد لأهل الواحات فقد قال: «بأنهم قومٌ ذوو كبرياء وأنفة، وروح معنوية عالية لم يفسدهم الانتقال من حالة البداوة إلى الزراعة الأكثر استقراراً. ويتصفون بالشجاعة والكرم، وحسن الضيافة، ولكنهم في الوقت نفسه سريعو الغضب، ولا ينسون ثأراً».(56) وفي البدوي على حد تعبير ويلستد تكمن فتنة وسحر الحرية والشجاعة والجمال مضافاً إليها الفقر، فالبدوي ليس متوحشا، وطريقة حياته تختلف اختلافاً كلياً عن الحياة في الغرب.(57) ويضيف ويلستد بأنه لم يكن في الصحراء أي نظام طبقي ولم يعتد البدوي على تلقي أوامر من أي حاكم أجنبي، فبنية البدو الاجتماعية توفر لهم مقداراً عظيماً من الحرية، وتقدم لهم تقاليدهم أكبر قسط من فهم شعب حر في حقيقته وجوهره ولما أدرك الأوربيون هذا المفهوم أثار ذلك فيهم نوعاً من الاحترام الدائم والمضلل أخيراً(58).ومن الملاحظات التي وثقها ويلستد هي «أن العرب قرب ينبع لديهم عادة غريبة، هي أن يجرح الواحد منهم كعب قدميه بسكين حاد، ثم يقرب الكعب من النار إلى أقصى ما يستطيع، ومع بضعة فناجين من القهوة، تصبح هذه الوصفة دواء للوقاية من نزلات البرد».(59) كما قال بأنه شديد الإعجاب بالبدو فيقول: «لو قارنا بين شخصية البدوي وجيرانه، فلكم تبدو قامة البدوي شامخة، عالية فوق الآخرين، أن حسه الوطني واستقلاله الطبيعي يضعانه في مستوى أرفع بكثير من الشخص الفارسي مثلا، الذي تراه معظم الأحيان مجرد عبد مصقول قتل الاستبداد المطلق أفضل سجاياه، بينما يرى في نفس الوقت أن تفوق قوته البدنية يجعله في وضع أفضل من الهندي الوديع الهادئ الضعيف فيتصور نفسه أنقى وأفضل البشر أجمعين».(60) وبشكل عام فقد أطرى ويلستد ومدح البساطة والصراحة التي امتاز بها العرب الذين قابلهم، وأن تلك الحرية الخالية من الأبهة وحب الظهور تضع أخلاقهم وشخصياتهم في مستوى عال وتحت أضواء مبهجة عند الأوربيين، وهذا ما يزيد قيمتهم وتقديرهم في الميزان. كان ويلستد يأمل أن يصل نجد عن طريق «عبري» ولكنه فشل في التقدم إلى ما وراء عبري فقد وجد القوم هناك شديدي العداء لوجود شخص «كافر» بينهم، على حد تعبيره، وكان اعتراضهم من القوة حتى أن مترجمه الخاص، وهو فارسي متين البنيان طوله أكثر من ستة أقدام وبعيد تماماً عن فطنة الجبن كاد يفقد صوابه، والناس يرجمونهما بالحجارة حتى أجبروهما على العودة للشاطئ(61). لم ينس ويلستد سحر مسقط فقد جذبه إليها حيث عاد مرة أخرى إلى مسقط في ابريل من عام 1837 بغرض استكشاف عُمان مرة ثالثة، وفي مرحلة حادة من الحمى وفي نوبة هذيان حاول الانتحار مطلقاً النار في فمه، لكن المحاولة لم تنجح، وإنما أحدثت له جروحاً في الفك الأعلى، نقل على إثرها إلى بومباي للمعالجة، وبعد ذلك عاد إلى أوربا في إجازة (62) حيث توفي بعد ذلك بثلاث سنوات، حيث انتهت حياة أحد الرحالة الذين زاروا عُمان وأبدوا إعجابهم بحياة البدو وأنصفوهم في وصف حياتهم وتمكنوا من تفهم اللغز الذي يربط البدوي بالصحراء، ولكن مازال بعض الغموض يحيط بجوانب كثيرة من حياة الرحالة ويلستد المثيرة. الرحالة مايلز: يعد النقيب صموئيل باريت مايلز من أبرز الرحالة الأوربيين الذين جابوا الأرضي العُمانية، وقد ساعده في ذلك كونه معتمداً سياسياً وقنصلاً بريطانياً في مسقط مما مكنه من التجول في مختلف مناطق عُمان في الفترة ما بين 1872 -1886 وقد كان مايلز ضليعاً باللغة العربية مما مكنه من فهم الحياة وتقاليدها وسهل عليه التعامل مع السكان المحليين، وقد اقتفى أثر ويلستد حتى إنه كثيراً ما صادف أفراداً متقدمين في السن يذكرون جيداً زيارة سلفه ويلستد بعد مرور أربعين عاماً على تلك الزيارة. ويصف مايلز عُمان بأنه بلد صحراوي ولكنه جميل أيضاً رغم أن جماله هذا يكتسي طابعاً حاداً قد لا يظهر بسهولة. وثّق مايلز زيارته لأطلال مدينة قلهات وذلك في عام 1874 حيث يصف سورها الذي يبدأ من البحر وله ثلاثة أبراج سقط أحدها في العام الذي سبق زيارته، وقد لاحظ مايلز أساسات العديد من المنازل التي مازالت موجودة وجدران عدد قليل منها مازالت هي الأخرى واقفة، ولاحظ وجود مقبرة على شكل قبة وكذلك سرداب أو قبو. وإلى الشمال هناك وادي آسن ويبدأ من وادي خالد ومياهه متدفقة وتروي بوفرة بعض الحقول في وادي سكرات الذي يقع على بعد خمسة أو ستة أميال حيث توجد بعض القنوات، ويوجد كذلك حوض مياه كبير تذهب إليه النساء للغسيل والاستحمام وجلب المياه، وهو واسع ويحتوي على كمية كبيرة من المياه بداخله. وإلى الشمال توجد قلهات الحالية وهي مجرد قرية للصيد تسكنها قبيلة صغيرة قوامها مائتا نسمة، يحصلون على مياههم منة الآبار الضحلة، ويربون الأغنام والغزلان، ولاحظ إلى الشمال منها بعض الأطلال القديمة ويبدو أن هذا هو الجزء الرئيس من المدينة القديمة, ويوجد برج وربما سور كذلك، ويقال إن هنا توجد بقايا القناة المؤدية إلى الداخل واسمها علا، وقد وجد مايلز هنا بعض العملات المضروبة في عُمان أو نزوى في عصر أسرة البويهيين، والمباني والدور مبنية كلها من الحجر الأحمر، ولم نعثر على أحجار مشكلة أو منسقة في المكان، كما قدم له الشيخ عينة من حجر جاء به من أحد القبور الفارسية وهي عبارة عن لوحة منقوشة بالألوان صنعها أحد الفنانين الفرس، وعند مغادرته المكان نقد الشيخ بعض الريالات وبعض البارود نظير اللوحة التي أهداها له. وبعدها زار مايلز شاطئ طوي الواقعة على مدخل واد عميق له جوانب انحدارية، ولاحظ مزارعَ للنخيل، وسار بالقرية وكانت نظيفة، فيها كثير من البيوت المبنية من الحجر وسكانها لا يزيدون عن خمسمائة أو ستمائة نسمة كلهم من بني جابر، وحتى خمسة عشر عاماً مضت قبل زيارة مايلز كانت خطبة الجمعة تقرأ باسم السلطان العثماني، ويذكر مايلز بأنه لا يزال أهل السنة والإباضيون في جعلان يفعلون الشيء نفسه. وفي أعلى الوادي يوجد ضريح ابن المغيرة وهو شاعر شهير من شعراء الإحساء, وقد اعتكف في هذا المكان وبنى بنفسه الضريح فوق التل، وإلى الجنوب من طيوي توجد أطلال حريف وهي مدينة قديمة اندثرت في وقت مبكر، ولكن هناك برج مازال موجوداً وبعض الأطلال.(63) وتعتبر زيارته للبريمي واحدة من أولى رحلاته في عُمان، ويقول مايلز بأنه قد عاهد نفسه بأن يجعل زيارة البريمي من أولى رحلاته في عُمان، وفي 1875 نزل من الطراد رايغلمان في صحار، وبعد موافقة حاكم مسقط السيد بدر بن سيف على مروره بدأ بجمع الجمال، وانتهز الفرصة لمشاهدة مدينة صحار، ويذكر مايلز بأن صحار كانت من اكبر المدن وأهمها على ساحل الباطنة لعدة قرون، رغم أنها في ذلك الوقت كانت حالتها قد تداعت، إذ هناك سكان في جزء صغير فقط من المنطقة، يبلغ عددهم 4000 نسمة. ويعتقد أنها السوق التجارية القديمة التي ورد ذكرها في رحلات نيورتيسي في عام 320 قبل الميلاد. ويشير مايلز إلى أن ذلك متفق عليه من جميع الأساتذة الأوربيين الذين يرونها هي عمانا أو عمنا القديمة التي ورد ذكرها في كتاب بطليموس، كما يرى أن تحديد الفترة التي تم فيها تغيير اسم تلك البلاد موضوع لا يمكن القطع به، لأن الكتب والروايات لا تذكر أي دليل عليه، وعلى الرغم من أن المؤرخين المحليين قد أشاروا إشارة عابرة إلى صحار إبان العصور الوسطى إلا أن مايلز يجد أن وصف ابن المجاور لهذه المدينة هو أحسن وصف فاعتمده في كتابه، حيث يقول ابن المجاور «كان في صحار اثنا عشر ألف منزل وكل ملاح كان يقيم في بيت مستقل، وكان السكان يحصلون على الماء منه، وقد اعتاد سكان المدينة الحصول على مياه الشرب من إحدى القنوات، وقد أخبرني البعض أنه يوجد مائة واثنان ياردة حديدية تستخدم كمقاييس تجارية بين البائعين والمشترين، وقد بنيت المدينة من الطوب اللبن وخشب التيك، ولكنها اندثرت، وقد علمت من أبي بكر البصري أن المدينة كانت أول الأمر تابعة لملوك كرمان من سلالة السلاجقة، ثم حكمها الغز إلى أن هجرت بعد أن دمرها العرب».(64) ويرى مايلز أن القناة أو فلج المطارد هو أحد علامات الرخاء السابق في صحار، حيث كان هذا الفلج يمد المدينة بالمياه في العصور القديمة، وفي وصفه للفلج يقول مايلز بأنه عبارة عن بناء صخري جيد يصله بسطح الأرض وادي الجزى القريب من حورا برجه ـ أو هضبة صحار كما نسميها إلى الشاطئ بمسافة تبلغ من أربعة إلى خمسة عشر ميلا، وآثاره ما زالت موجودة إلى الآن، وقد لاحظ مايلز مثل هذا لبناء بجوار جبل غرابة. ويضيف مايلز بأن صحار معروفة بين العرب بأنها الحصن الذي دافع عنهم ضد الفرس عام 1743 بقيادة أحمد بن سعيد مؤسس أسرة آل سعيد الحاكمة الآن لعُمان. أما قلعة صحار فيصفها مايلز بأنها عبارة عن سهل مربع بني لها مدخل قوي، وتضم مقر الحاكم، وفي الطابق الثاني من القلعة يوجد ضريح السيد ثويني ولكن لم يتمكن مايلز من رؤيته لأن الحجرة كانت قد تهدمت، ومن السطح شاهد منظراً بديعاً يحيط بالمدينة، فهناك حزام من أشجار النخيل والحدائق والمزارع يحيط بشاطئ البحر لمسافة ثلاثة أميال، بينما يرتفع السهل تدريجياً ـ في الخلفيةـ حتى يتلاقى مع نهايات السلسلة لجبل الحجر. كما لاحظ مايلز على أطراف المدينة أنقاض وأطلال الأبراج الدائرية على ارتفاعات مجاورة، وقد علم مايلز أن المدينة كانت مزدهرة خلال الاحتلال الفارسي أيام الجاهلية، وقد أصابها الله سبحانه وتعالى بالخراب لرفض الفرس الدخول في دين الله. ويتابع المسير إلى سهلات التي استرح بها لتأكل الجمال، ويصفها بأنها قرية صغيرة، وبها قناة بناها الفرس قبل الإسلام، وهي مازالت مستخدمة حتى الآن وتمد قرية غوارق من فلج ماء على الضفة الأخرى، وهنا تعرضت القافلة لعاصفة رعدية بللتهم حتى الجلد، وأصبحت الطريق صعبة المسلك، ولكن هذا لم يعق مايلز من التمتع بجمال المنظر الذي أدهشه فيقول في وصفه: «فالتلال الزرقاء الداكنة قد تلاقت مع الأودية والمجاري المائية العميقة مع سلسلة فوق سلسلة من التلال المنخفضة في المقدمة، و كانت الشمس ترسل أشعتها هنا وهناك. وبالقرب من موقعنا تقف كتل ثقيلة من السحب الداكنة...وأخيراً وبعد الظلام وصلنا إلى بساتين سهيل، وهي قرية تبعد ثلاثين ميلاً عن صحار، وهنا ضل العرب الطريق في ذلك الظلام الدامس، وارتبكوا بين قنوات الري والحقول والنخيل حتى وصل الفلاحون لإنقاذنا وأوضحوا لنا المكان الذي نعسكر فيه تلك الليلة»(65) ويوثق مايلز مشاهداته في طريقه وهي ذات أهمية كبيرة، فهي تقدم لنا معطيات عن النشاط الزراعي القائم آنذاك فيصف قرية الخويرج بأنها ذات بساتين وزراعة كثيفة تقدم منظراً ساراً، وبعد الخويرج مباشرة تأتي قرية الحيل وهي قرية كبيرة كما يصفها مايلز ويرى بأن القريتان تشكلان معاً أعظم مكان استيطان شاهده بين صحار والبريمي. وعند وصول مايلز إلى البريمي توجه إلى بيت الشيخ سالم بن محمد، الذي كان والده رئيس قبيلة النعيم، ويقيم في ضنك، وبعدها زار الوالي الشيخ حامد الذي أطلعه على الحصن حيث استقبل مايلز بإطلاق الرصاص، وقد لاحظ مايلز في الحصن بعض البنادق والمدفع النحاسي وعيه اسم السيد سعيد بن سلطان والتاريخ 1842 وهو واحد من المدافع التي أحضرها السيد سعيد من أمريكا بسفينته الحربية «سلطانة». أما عن البريمي فيذكر مايلز بأن اسم البريمي يطلق على مجموعة من سبع قرى، أهمها المدينة الكبيرة المسماة الهامة، والبقية هي سوار، والجيمي، وقطارة، وهيلى، والعين، ومطارد.ويبلغ سكان هذه القرى آنذاك 15 ألفاً وظروف معيشتهم متوسطة، فهم يعيشون في أكواخ من الحصير ومن سعف النخيل، وهناك القليل من المنازل المبنية من الصخور، ويعتمدون في ري حقولهم على نظم الأفلاج أو القنوات من التلال، وكذلك من الآبار، والمياه وفيرة وليست على أعماق كبيرة. والقبيلة الغافرية المسيطرة هي قبيلة النعيم، وشيخها هو محمد بن علي بن حامد، والقبيلة الهناوية الأساسية هنا هي قبيلة بني ياس الذين مارسوا سابقاً الكثير من أعمال القرصنة، وهم يشغلون قرى جيمي وقطارة وهيلى وكذلك وادي مسودي في البريمي، وشيخهم هو زايد بن خليفة، الذي يقيم في أبو ظبي. والقبيلة التالية في الأهمية هي قبيلة بني كعب وتعد 15 ألف نسمة وتشغل منطقة المحدة. ويذكر مايلز بأن أول منطقة خلف الجو هي بينونة حيث العوقة، وهي قرية صغيرة يسكنها بنو قتب، وبعدها مباشرة تقع قرية الغافي التي يسكنها البدو من المناصير، حيث يوجد وادي دامس، وهو من الأودية الكثيرة العشب، وفير الماء ويزوره البدو الرحالة بغرض الرعي، وبعد هذا يأتي الجافور أو الصحراء، وهناك طريقان رئيسان أحدهما يستخدم في الشتاء والآخر في الصيف، والجزء الشرقي من هذا الطريق يستخدمه المناصير بنو ياس، أما الجزء الغربي فيستخدمه المرا، وليس في هذا الطريق تلال، وهناك واديان فقط هما وادي الصقر ووادي الصحبة. أما سبخة مطي فيذكر مايلز بأنها عبارة عن واد جيري داخل الخليج بين درجتي 51 طولاً و24 عرضا، ويقال أن الجمال تضل طريقها وتغوص في الطين في بعض الأجزاء حيث المستنقعات ومناطق الرمال المتحركة، والسبخة هي نفس المنطقة التي تحدث عنها البطليموسي، وحسب رأي الشيوخ الذين تحدث إليهم مايلز، أن سبخة مضي هي الحدود الفاصلة بين عُمان والإحساء، وأن هذا التحديد متفق عليه منذ الأزمنة الغابرة.(66) يتجه بعد ذلك مايلز نحو الجنوب ويصل مرباط، وقد وصفها بأنها قرية صغيرة بها حوالي 20 منزلاً صخرياً وعدد قليل من الأكواخ البسيطة وهناك عدد قليل من الخوجا الهنود الذين تتركز بينهم كل تجارة اللبان في ظفار، وحامية يرابط فيها 16 من عرب مسقط لحمايتهم من غارات بدو القرا الذين يسببون المتاعب أحيانا. وترتاد ميناء مرباط السفن الشراعية التي تنقل التجار بينها وبين الهند، ولكن الماء فيها كان سيء ومالح، وأقرب مكان للإمداد بالماء العذب يقع على بعد أربعة أميال، والعوائد التي يدفعها التجار الهنود تدفع للوالي في صلالة. وتحدث عن النشاط التجاري الأساسي في مرباط وهو تجارة اللبان، ويذكر أصنافه الثلاثة: النجدي، والرسامي، والديزوني، والأول هو الأجود، كما ذهب لزيارة ضريح محمد بن علي، حيث توجد منابع مياه قليلة قريبة من المكان ويستمد أهل مرباط حاجتهم منه. أما طاقه فيصفها بقرية صغيرة أيضاً وسكأنها 400 نسمه وفيها القليل من الزراعة. وذهب أيضاً لزيارة جزيرة الحلانية التي تبعد 199 ياردة من الشاطئ، وفوق الجزيرة لاحظ مايلز صخرة غير ثابتة غريبة الشكل، ترتفع خمسين قدماً عن سطح البحر، ووجد بقايا حصن ولكن لم يجد كتابة عليه. وهي الجزيرة الوحيدة المسكونة من جزر كوريا موريا، ويسكن أهلها في أكواخ متواضعة وكهوف، ويعتمدون في حياتهم على الأسماك والمحار ولبن الأغنام، وأحياناً يقايضون أسمكهم الجافة بالبلح والأرز مع السفن العابرة، وعدد سكان الجزيرة 36 فرداً يتألفون من 5 رجال وعشرين امرأة و11 طفلاً، امرأتان منهم من قبيلة بني خلفان وتعتبران ملكتا الجزيرة، أما رئيس الجزيرة فهو محمد بن مبارك، وقد ذكر بأن السكان جميعهم قدموا من الساحل المقابل لحاسك ومرباط، وهو الوحيد الذي يتكلم العربية بينما الباقون يتحدثون اللغة المهرية. وتوجد بالجزيرة ثلاثة أو أربعة آبار. وتوجد على الجانب الشرقي من الجزيرة أنقاض مدينة مما يعني أن سكان الجزيرة كانوا أكثر عدداً في الماضي، وليس لديهم قوارب أو شباك وإنما يصيدون السمك بالسنارة. وقد شكا حمد بن مبارك من سفن العرب التي كانت تصل من ساحل القراصنة وعلى الأخص من دبي وعجمان وكانت تتعدى عليهم وتنهب ممتلكاتهم، وكان بالجزيرة نحو 200 إلى 300 رأس من الغنم بعضها كان متوحشاً جداً، بينما القسم الآخر كان برعاية النساء والأطفال، وقد سر سكان الجزيرة مما حصلوا عليه من هدايا السكر والأرز والتبغ والأقمشة(67). وفي زيارته الثانية للجزيرة بعد مضي ما يزيد على العام وجد الأحوال في الجزيرة لم تتغير عن زيارته الأولى لها عام 1883 وقد تجمع الناس لتقبيل الأيدي وقالوا بان عرب الخليج كفوا عن إيذائهم منذ السنة الماضية، غير أن عدد سكان الجزيرة قد انخفض. ثم اتجه إلى صلالة، وقد أخبره الوالي إلى أنه ثمة هدنة بينه وبين القرا ولكنها لا تشمل بلدة طاقه. وهذا مؤشر على استمرار الصراع بين قبيلة القرا والقبائل الني تسكن السهل الساحلي. ويصف مايلز ظفار بأنها إقليم على الحافة الغربية لخليج كوريا موريا مدخل إقليم ظفار والذي يمتد إلى رأس الشحر مسافة 130 ميلاً وباتساع حوالي 18 ميلاً من البحر وحتى التلال الممتدة إلى الصحراء، وهناك العديد من جداول المياه الصغيرة التي تأتي من التلال وتروي السهل، فالتربة غنية ومنتجة ويقال أنها تعطي ثلاثة مواسم في العام، ويزرع التبغ والقطن وأشجار النيلة والخضراوات، والذرة، كما شاهد أكواماً من سمك السردين التي تجفف قبل تقديمها علف للأغنام. ويشير مايلز إلى أن غالبية سكان السهل هم من قبيلة الكثيري، وهي إحدى القبائل الرئيسة في حضرموت، وكانوا على خلاف مع قبيلة القرا، حيث كان رجالها يهاجمون الكثيريين ويزعجونهم. وقد وثق مايلز مشاهداته لعدد من أصناف الحيوانات البرية التي كانت تعيش في ظفار، ومنها القط الوحشي الذي شاهده في سواحل مرباط، ولا يزال موجوداً في سواحل مرباط حيث شاهدته عدة مرات، كما يوثق مايلز تواجد الثعالب والضباع والأرانب الوحشية والغزلان والوعول ووضع عدداً من النقاط ولم يكمل. أما الغطاء النباتي فقد وثق في مشاهداته تواجد الأشجار التالية: الجميز، وأشجار السنط، والصمغ، والرمان، والصبر، والتين، والتمر الهندي، والطرفاء، وشجرة النيلة، والنبق، وجوز الهند، وكثير من النباتات التي لم يستطع مايلز تحديدها.(68) كما زار مايلز المنطقة الأثرية في صلالة، وهي أكبر وأهم منطقة أثرية على سهل ظفار، حيث تغطي مساحة ميلين تقريباً بين الحافة والدهاريز، حيث يشير بأن أبراج الحصن والجامع كانت قائمة آنذاك في بعض أجزائها، وكان يمكن التعرف على سور البلدة ومبنى الجمارك والخندق بوضوح، وقد قام مايلز بفحص الجامع وهو مبنى كبير له أعمدة مستديرة وخماسية، ترتفع ثمانية أقدام ولها قواعد وتيجان ولا يزال المحراب قائماً والمدخل، غير أن الشاهد وهو كتلة كبيرة طولها ستة أقدام وتربيعتها نحو قدم ونصف كانت ملقاة على الأرض، ولا يزال الخط الأول والأقل قيمة من الكتابة على اللوحة واضحاً بما فيه الكفاية، غير أن السطور السفلى قد تآكلت، وقد طلب قلب الكتلة وتنظيفها بالماء غير أنه لم يستطع تبين تاريخها. أما الجزء الغربي من هذه البقعة فيقول مايلز بأنه كان مغطى بأنقاض الجزء الأسفل وغير المسور من المدينة القديمة. وفيما يتعلق بالجزء الشرقي من المدينة والذي بني على شكل مربع وهو الذي يضم الجامع ومبنى الجمارك فيراه مايلز بأنه أهم جزء وأكثر جاذبية، وفيه رأى اللوحات المنحوتة والأعمدة المنقوشة ونصوصاً من القرآن الكريم وغيره من الأدلة التي توحي بوجود فئة متحضرة من الناس. أما الحصون ووسائل الدفاع فتتكون من خنادق واستحكامات ومتاريس على جوانب ثلاثة، بينما تقف القلعة على ربوة ترتفع 100 قدم، وهي مربعة بحوائط عريضة، ولها بابان أو مدخل يطل أحدهما على الشرق، ويطل الثاني على الغرب، كما توجد بئر بعمق 30 قدماً على الجهة الشمالية الغربية، ولا تزال أساسات مبنى الجمارك قائمة بما فيها المدافع المواجهة للناحية الشرقية.(69) عندما كنت أوثق ملاحظات مايلز عن المنطقة الأثرية بين الحافة والدهاريز في صلالة، أردت المقارنة بين مشاهدات مايلز وما تبقى من هذه الآثار بعد مضي ما يزيد على 130 عاماً، ولم تكن المنطقة التي وصفها مايلز تبعد عن مكان سكني أكثر من ميلين، فتوجهت إلى هناك، وقد أبدى مدير الموقع والموظفون العاملون هناك العون والمساعدة، في تحقيق أهداف الزيارة حيث رافقني أحد العاملين هناك إلى المواقع الأثرية التي طلبت مشاهدتها، ولدى وصولي إلى الجامع الكبير، الذي يقع إلى الجهة الجنوبية من القلعة وجدت أن عدداً قليلاً من الأعمدة قد بقي، وأما الجدران فقد كانت ترتفع إلى أكثر من مترفي بعض جهات المسجد، وقد كان واضحاً أن المسجد كان كبيراً ويظهر المدخلان الغربي والشرقي بوضوح، كما أن أعمال الترميم قائمة في إعادة بناء ما تهدم من الأعمدة وقد بنيت مكانها أعمدة جديدة مكسوة بالحجارة البيضاء، أما الأعمدة القديمة فقد كانت مستديرة ومنحوتة من الصخر، وأمام بوابة الجامع من الجهة الغربية، لاحظت عدداً من الأعمدة المضلعة وضعت على صفين ولها قواعد وتيجان، وقد تبين فيما بعد بأنها أعمدة أخذت من الجامع من قبل الأهالي وتمت إعادتها، أما المحراب فقد كان كاملا، وتبدو على بعض جوانبه أعمال ترميم حديث لأجزاء قليلة في بعض جوانبه، وإلى الزاوية الجنوبية الشرقية من الجامع بدا جامع صغير ملاصق له وله محراب، وإلى الشرق منه كان هناك بئر وحمامات وقد بقي من البئر ما يزيد عن المترين أما الباقي فقد ردم بالحجارة والأتربة، ولكن يظهر على أطراف الردم الذي فيه آثار رطوبة ما يوحي بأن الماء ليس على مسافة بعيدة من سطح الردم الذي يغطيه، وإلى جانب البئر كانت الحمامات تبدو بشكل واضح، وتربط بينها ساقية تمر بين الحمامات من خلال فتحات أحدثت في أسفل جدران تلك الحمامات، وتنتهي بمنخفض وكأنه حوض كبير. وقد لاحظت إلى الشرق من الجامع الكبير آثار عدد من الجوامع الصغيرة، وما تزال أعمدتها السوداء منتصبة وبقايا المحراب في عدد منها أيضاً واضحة، وإلى جنوبها المقبرة الكبيرة، وقد يكون عدم إشارة مايلز للجوامع الصغيرة هذه عائد إلى أنها كانت مغطاة بالأتربة والرمال وقد كشف التنقيب الأثري عنها، ولا تزال أعمال التنقيب الأثرية قائمة من قبل بعثة أمريكية وقد عثرت في آخر أعمالها للموسم الفائت على بقايا مسجد وحمامات، وما يعتقد بأنها مساكن ولكن ما يميزها هو أن حجارتها مازالت بيضاء. وقد بحثت عن الشاهدة التي وصفها مايلز فلم أعثر على أثر لها، كما أني لم أجد اللوحات المنحوتة والأعمدة المنقوشة والآيات من القرآن الكريم التي وثق مايلز مشاهدته لها. ولدى سؤالي الفاضل غانم بن سعيد الشنفري مدير الموقع عن الشاهدة التي ذكرها مايلز أفاد بأنها سقيفة قبر وليست شاهدة كما ذكر مايلز, ويبدو أنها نقلت، بعد فترة من مشاهدة مايلز لها، إلى إنكلترا بطريقة غير قانونية، وهي الآن بمثابة سفير ثقافي عن حضارة المنطقة، وموجودة في متحف فكتوريا في لندن، ولا نستطيع استعادتها لأن قانون استعادة الآثار الذي وضعته اليونسكو يتيح استعادة الآثار التي أخذت من عام 1970 وما بعد أما الآثار التي أخذت قبل هذا التاريخ فهي غير مشمولة بهذا القانون، ولذلك لا نستطيع استعادتها لأنها أخذت قبل التاريخ المذكور. أما فيما يتعلق بالأعمدة فيبلغ عددها أكثر من 300 عموداً وقد نقلها الأهالي واستخدموها في بناء مساجدهم القديمة، وقد قمنا باستعادة قسم منها وهي تلك التي شاهدتها أمام الجامع الكبير، كما استخدم بعض هذه الأعمدة في المقابر، حيث عثرنا على بعض منها. وبالنسبة لبناء الجمارك الذي وصفه مايلز فهو مقابل باب «حرقه أو حرقم» باللهجة المحلية وهو مطمور، ولم نقم بأعمال الحفر به بعد. وتشير الدراسات التي تجرى على الموقع أن المدينة التي تظهر آثارها قائمة على أنقاض مدينة أخرى تحتها وتعود إلى القرن الأول الميلادي. وتعمل البعثة الأمريكية التي أنهت موسم هذا العام وستعود في موسم العام القادم في شهر يونيو حزيران 2006 لمتابعة تنقيبها. أما الجامع الذي عثرت عليه البعثة الأمريكية والذي لاحظت تباين لون الحجارة التي شيد منها عن تلك التي بنيت منها الجوامع الأخرى، فإنما هو بناء يعود للقرن الأول الميلادي، وقد تحول هذا البناء فيما بعد إلى جامع، وقد تم اكتشاف بعض الفخاريات والقطع الأثرية، وتتم الآن إعادة مسح طبوغرافي لتحديد عدد الجوامع، وقد تأكدت ملاحظة ابن بطوطة عن كثرة الجوامع التي لحظها في أثناء زيارته، فقد تم تحديد 55 مسجداً والعمل قائم لاكتشاف المزيد. أما الجامع الصغير الملاصق للجامع الكبير فيعتقد انه مصلى للنساء، وفي الواقع لدينا افتراضان، الأول: ينطلق من أن المدينة هدمت مرّتين، مره بفعل الطبيعة، وأخرى بفعل أهالي المدينة أنفسهم تحاشياً للغزو الفارسي. فقد بينت الدراسات التي أجريت على الجدران أن الجدران الخارجية بنيت للجامع قد بنيت جميعها في الفترة ذاتها، في حين أظهرت الدراسات أن الجدار الفاصل بين الجامع الكبير والجامع الصغير قد بني في فترة لاحقة، مما يشير إلى أن المدينة عندما هدمت لم يستطع أهلها بناء الجامع كاملا، وإنما تم بناء قسمٍ صغيرٍ للصلاة. والفرضية الثانية: أن الجامع الصغير كان مصلى للنساء ملحقاً بالجامع الكبير. ولكنني لا أرجح بأن هدم المدينة من قبل أهلها تحاشياً للغزو الفارسي قد طال الجامع كونه بيت الله وهو يتكفل بحماية بيته بل سيكون ملاذاً لمن يريد الاحتماء من الغازي. ولكن اعتقد أن العوامل الطبيعية هي التي هدمت المدينة كلها ولاسيما أن المنطقة تشهد بين الحين والآخر أعاصير وإن كانت هذه الفترات متباعدة قد تتجاوز الخمسين عام بين إعصار وآخر، ولكنها مألوفة هنا ويسميها السكان باللغة المحلية «حيمر» فمن المحتمل أن يكون الهدم بسب الإعصار، أو بسبب زلزال، وعلى أية حال فأن المرجح أن تكون كارثة طبيعية هي التي تسببت بدمار المدينة، لاسيما أن آثار المدينة كاملة تحمل تفسيراً مهماً لدمارها وهذا التفسير ينطلق من أن أبنية المدينة جميعها قد بنيت بالحجارة الصغيرة وهي اقل مقاومة لتأثيرات العوامل الطبيعية من الحجارة الكبيرة. أما فيما يتعلق ببناء الجامع الصغير فقد يكون مرد ذلك لعدم قدرة الأهالي على بناء الجامع الكبير كما كان، وتجدر الإشارة إلى أن الجامع الصغير يشتمل على محراب صغير. ولدى السؤال عن الأعمدة المنقوشة التي شاهدها مايلز، أجاب المدير نعم هناك أعمدة منقوشة، ولوحات عليها آيات من القرآن الكريم، ولكننا لم نعثر عليها بعد، عندما بدأنا العمل في عام 1996 لم نشاهد إلا كتلاً من الرمال وبدأنا الحفريات، والموقع كله ما يزال في إطار البحث واحتمال كبير أن يكون هناك شيء مما لاحظه مايلز مدفوناً تحت الرمال. المقترحات التي يوصي بها الباحث: 1 ـ إنشاء مركز دراسات تاريخية يعنى بترجمة ونشر ما كتبه الرحالة عن عُمان، وكذلك تحقيق المخطوطات التي تتحدث عن عمان والتاريخ العربي والإسلامي. 2 ـ تنظيم رحلات سنوية تتبع مسار الرحالة تومس وثيسجر في عبور الربع الخالي ويعلن عنها عالميا، و تخصص الجهة المنظمة الجمال والخيام والمستلزمات لقاء رسوم يدفعها المشاركون، وتغطى إعلاميا، تشجيعاً للسياحة وللتعريف بالتراث العُماني. 3 ـ إجراء مسوح طبوغرافية لكافة مناطق السلطنة الأثرية، بغية وضع خطة شاملة للتنقيب الأثري في كافة المناطق الأثرية، وأن ترصد الميزانيات اللازمة لهذه الخطة لاسيما إذا علمنا أنها ستكون عوامل جذب سياحي كبير، وستسترجع هذه المواقع ما ينفق عليها بأضعاف مضاعفة. 4 ـ العمل مع منظمة اليونسكو والدول المعنية على استعادة الآثار العُمانية التي نقلت بصورة غير شرعية. 5 ـ العمل مع مؤسسات فنية متخصصة على إنتاج مسلسلات تلفزيونيه أو أفلام سينمائية تصور رحلات أهم الرحالة الذين مروا في عُمان مثل ابن بطوطة، مايلز، توماس, ثيسجر. المصادر والمراجع 1-الآثار تؤدي إلى رمال الجزيرة العربية: تسارابوتينسيفا، ترجمة محمد محمد الشعيبي، دار الكاتب العربي، دمشق 1989. 2-أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بالبشاري:، طبعة ليدن،1909. 3-أدب الرحلة في التراث العربي: فؤاد قنديل، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة 2002. 4-بلاد العرب القاصية، رحلات المستشرقين إلى بلاد العرب:، بيتر برينث ، ترجمة خالد أسعد عيسى و أحمد غسان سبانو، دار قتيبة، دمشق 1990. 5-تاريخ الأدب الجغرافي العربي: اعناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم، القسم الأول، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة 1961. 6-تاريخ العرب قبل الإسلام: السيد عبد العزيز سالم، الإسكندرية 1973 . 7-تاريخ عُمان: وندل فيلبس، وزارة التراث القومي والثقافة، ط3، ترجمة محمد أمين عبد الله، مسقط،1989. 8-تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان: الشيخ نور الدين عبدالله بن حميد السالمي ، ج1، ط2، ص8 9-تحفة النظار في غرائب الأمصار: ابن بطوطة، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ. 10-جواسيس في بلاد العرب: روبين بيدول، ترجمة مصطفى كمال، مطابع البيان، دبي، بدون تاريخ. 11-الخليج بلدانه وقبائله: مايلز،س.ب، ترجمة محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عُمان، مسقط،1982. 12-صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز:، ابن المجاور النيسابوري ،الطبعة الأولى، ليدن 1951 13-عُمان في التاريخ: مجموعة من المؤلفين، وزارة الإعلام في سلطنة عُمان ودار إميل للنشر المحدودة في لندن،1995. 14-عُمان في العصور الإسلامية الأولى: عبد الرحمن العاني، بغداد، 1977. 15-عُمان في فجر الإسلام: سيدة إسماعيل كاشف، سلسلة تراثنا، عدد 1، ط3، وزارة التراث القومي والثقافة،1994. 16-كتاب فتوح البلدان: البلاذري، نشره صلاح المنجد، القسم الأول، القاهرة 1956. 17-مخطوطة أنساب العرب: العوتبي، نقلاً عن فاروق عمر، الخليج العربي في العصور الإسلامية. 18-مدخل إلى أدب الرحلات في عُمان: هلال الحجري، مجلة نزوى، العدد 35، (ص10-21) يوليو 2003، مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان. 19-The Periplus of The Erythraean Sea, translated by W.H.Schoff (New York ????. (1) الآثار تؤدي إلى رمال الجزيرة العربية: تسارابوتينسيفا، ترجمة محمد محمد الشعيبي، دار الكاتب العربي، دمشق 1989، ص 8. (2) المرجع نفسه، ص 8-9. (*) هو يوسف بن يعقوب بن محمد بن علي الشيباني الدمشقي أبو الفتح جمال الدين بن المجاور، جغرافي ورحالة سوري، ولد في دمشق ونشأ في بغداد. أشهر مؤلفاته «تاريخ المستنصر» الذي وصف فيه اليمن والحجاز حيث بدأه بالكلام عن مكة المكرمة، ثم انتهى بالبحرين، اطلع على الأدلة الملاحية المشهورة، وتعرف على علوم الملاحة القديمة التي تصف خطوط الملاحة، وأطوالها بين البلاد العربية الجنوبية وجزيرة جاوه، خصص جزءاً من كتابه لوصف مدينتي عدن وجده. (3) مدخل إلى أدب الرحلات في عُمان: هلال الحجري، مجلة نزوى، العدد 35، (ص10-21) يوليو 2003، مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان، ص11. (4) المرجع نفسه، ص 11. (5) تاريخ عُمان: وندل فيلبس.، وزارة التراث القومي والثقافة، ط3، ترجمة محمد أمين عبد الله، مسقط، 1989، ص12. (*) تشير الرواية إلى أن سليمة كان ذا حظوة لدى والده، وبعد أن قتله فر إلى فارس، كما تذكر الرواية إن هؤلاء الأشقاء أنفسهم الذين خافهم سليمة كانوا السبب في المأساة، إذ قيل أنهم حاولوا الحط من شأن سليمة في نظر أبيهم، واتهموه بأنه نام في موقعه عندما كان يتولى نوبته في قيادة حرس النبلاء الذي يحرس مالك خلال نومه، ولكي يختبر مالك صدق هذا الاتهام، تنكر ذات ليلة وامتطى صهوة فرسه متجها في هدوء نحو سليمة وسط الظلام، وتصادف أن صهل الفرس الذي كان يمتطيه فأيقظ سليمة من نومه، وما كاد يرى أذني الحيوان حتى صوب سهمه نحوهما وأطلقه، وعندما سمع أبوه رنين القوس صاح قائلاً «لا تطلق أنا أبوك» ولكن الوقت كان قد فات وقيل إن مالك ردد وهو يحتضر بيتاً من الشعر، أصبح من الأمثال العربية المعروفة وهو: أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني (6) تاريخ عُمان: وندل فيلبس. مرجع سابق، ص 14-15. (7) مخطوطة أنساب العرب: العوتبي.، نقلاً عن فاروق عمر، الخليج العربي في العصور الإسلامية. ص26. (8) تاريخ العرب قبل الإسلام: السيد عبد العزيز سالم ، الإسكندرية، 1973، ص 60. (9) انظر، عُمان في العصور الإسلامية الأولى: عبد الرحمن العاني، ،بغداد، 1977، ص43. (10) كتاب فتوح البلدان: البلاذري، نشره صلاح المنجد، القسم الأول، القاهرة، 1956، ص17. (11) عُمان في التاريخ: مجموعة من المؤلفين، وزارة الإعلام في سلطنة عُمان ودار إميل للنشر المحدودة في لندن 1995، ص69. (12) عُمان في فجر الإسلام: سيدة إسماعيل كاشف.، سلسلة تراثنا، عدد 1، ط3، وزارة التراث القومي والثقافة، 1994، ص8. (13) الخليج بلدانه وقبائله: مايلز، س.ب.، ترجمة محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عُمان، مسقط،1982،ص 15-16. (*) قلهات: يصفها ياقوت الحموي في معجمه بأنها مدينة بعُمان على ساحل البحر، إليها ترفاً أكثر سفن الهند، وهي الآن فرضة تلك البلاد، وأمثل أعمال عُمان، عامرة، آهلة، وهي لصاحب هرمز. (14) تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان: الشيخ نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، ج1، ط2، ص8. (15) أدب الرحلة في التراث العربي: فؤاد قنديل، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة 2002، ص213. (16) سيراف: يقول عنها ياقوت الحموي في معجمه: مدينة على ساحل بحر فارس، وبها آثار عمارة حسنة، وليس فيها للمراكب ميناء، بينها وبين البصرة إذا طاب الهواء سبعة أيام. (17) تاريخ الأدب الجغرافي العربي: اعناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم، القسم الأول، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة 1961، ص141. (*) لفظ بريبلوس كما يشرحه كراتشكوفسكي، يعني باليونانية دورة ملاحية، وقد أطلق اللفظ على رسائل في الملاحة يصف فيها اليونان سواحل البحار المختلفة، ومن أهم ماتبقى منها «بربلوس البحر الأحمر» الذي يرجع إلى القرن الأول الميلادي. (18) الفرسخ يساوي 12 ألف ذراع، والذراع 24 أصبعا، والأصبع 6 حبات شعير( المقدسي) (19) لهم منازل على سواحل بحر فارس تنسب إليهم وتعرف بهم، وهم من آل الجلندي( ياقوت الحموي- معجم البلدان) (20) يصفها ياقوت الحموي في معجمه بأنها جزيرة عظيمة وهي من بحر فارس بين عُمان والبحرين افتتحها عثمان بن أبي العاص الثقفي أيام عمر بن الخطاب لما أراد غزو فارس في البحرين، مر بها في طريقه وكانت من أجل جزائر البحر، عامرة آهلة، وفيها قرى ومزارع الآن خراب، ويروي ذكر المسعودي لها بأنها كانت سنة 333هجرية عامرة آهلة. (21) الدردور، موضع في سواحل بحر عُمان، مضيق بين جبلين يسلكه صغار السفن(ياقوت الحموي-معجم البلدان) (22) تصغير كسر وعور، وهما جبلان عظيمان مشرفان على أقصى بحر عُمان، صعبة المسالك، وعرة المقصد، صعبة المنجى، فلذلك سميت بهذا الاسم، ويقولون كسير وعوير وثالث ليس فيه خير (ياقوت الحموي- معجم البلدان) (23) فؤاد.أدب الرحلة في التراث العربي: قنديل،، مرجع سابق، ص103. (24) المرجع نفسه، ص 108. (25) أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم: عبد الرحمن حميده، منشورات جامعة دمشق، 1969، ص 205. (26) تاريخ الأدب الجغرافي العربي: كراتشكوفسكي، مرجع سابق، ص 209-210. (27) المرجع نفسه، ص 271. (28) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بالبشاري، طبعة ليدن،1909، ص97. (29) تاريخ الأدب الجغرافي العربي: كراتشكوفسكي، مرجع سابق، ص 431. (*) مملكة هرمز: أسسها محمد الداغستاني على ساحل كرمان، ثم صارت للغز حكام كرمان . (30) تحفة النظار في غرائب الأمصار: ابن بطوطة.، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ، ص276. (31) تاريخ عُمان: وندل فيلبس مرجع سابق، ص 24. (32) صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز: ابن المجاور النيسابوري:، الطبعة الأولى، ليدن 1951، ص ص 260- 265. (33) المرجع نفسه، ص 25. (34) الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عُمان: وزارة الإعلام العمانية، نقلاً عن ابن رزيق،ج2، ص 332.مخطوطة مصورة، ابن زريق: ص 72-73، وابن رزيق، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، ص 248. (35) تاريخ عُمان: وندل فيلبس، مرجع سابق، ص 25. (36) المرجع نفسه، ص 27. (*) يقصد القيلة المائية الناتجة أما عن كيسة مائية أو فتق. (37) تحفة النظار في غرائب الأمصار: ابن بطوطة.، مرجع سابق، بيروت بدون تاريخ، ص ص(275-285). (38) وهي سلسلة الجبال المسماة الآن بجبل سمحان. (39) وهي جزر كوريا موريا والتي تعرف اليوم باسم جزر الحلانيات، ولكنها الآن خمس جزر فقط وهي: الحاسكية، والسوداء، والحلانيات، وشناص، والقابل، وجميعها غير مأهولة باستثناء جزيرة واحدة هي جزيرة الحلانيات. (40) وهي جزيرة مصيره الحالية. (41) وهي الجزر المعروفة الآن باسم جزر الديمانيات إلى الشمال من السيب. (42) The Periplus of The Erythraean Sea, translated by W.H.Schoff (New York ????).pp. ??.??. (43) أعلام الجغرافيين العرب: عبد الرحمن حميده، مرجع سابق، ص 436. (44) الخليج بلدانه وقبائله: مايلز.س.ب., مرجع سابق, ص 417. (45) تاريخ عُمان: وندل فيلبس.، مرجع سابق ص، 24. (46) المرجع نفسه، ص28. (47) جواسيس في بلاد العرب: روبين بيدول، ترجمة مصطفى كمال، مطابع البيان، دبي، بدون تاريخ، ص 202. (48) المرجع السابق .ص، 203. (49) الخليج بلدانه وقبائله: مايلز.س.ب., مرجع سابق, ص423. (50) جواسيس في بلاد العرب: روبين بيدول، مرجع سابق، ص 206. (51) جواسيس في بلاد العرب: روبين بيدول، مرجع سابق، ص 220. (52) مدخل إلى أدب الرحالات في عُمان: الحجري، هلال، مرجع سابق، ص15. (53) بلاد العرب القاصية، رحلات المستشرقين إلى بلاد العرب: بيتر برينث ، ترجمة خالد أسعد عيسى و أحمد غسان سبانو، دار قتيبة، دمشق، 1990،ص 119. (54) جواسيس في بلاد العرب: روبين بيدول، مرجع سابق، ص270. (55) المرجع نفسه، ص212. (56) المرجع نفسه، ص212 (57) بلاد العرب القاصية، رحلات المستشرقين إلى بلاد العرب :، بيتر برينث، مرجع سابق، ص38-39. (58) المرجع نفسه، ص121. (59) جواسيس في بلاد العرب: روبين بيدول، مرجع سابق، ص213. (60) المرجع نفسه،، ص212 (61) المرجع نفسه، 212. (62) مدخل إلى أدب الرحلات في عُمان: هلال الحجري،.، مرجع سابق,ص 15. (63) الخليج بلدانه وقبائله: مايلز، س، ب,، مرجع سابق، ص، 437-439 (64) المرجع السابق، ص 443-444. (65) المرجع نفسه، ص445. (66) المرجع نفسه، ص، 446-449. (67) المرجع نفسه، ص 458. (68) المرجع نفسه، ص 429. (69) المرجع نفسه، ص 454. |
| الصفحة الرئيسية | | صفحة الدوريات | | صفحة الكتب | | جريدة الاسبوع الادبي | | اصدارات جديدة | | معلومات عن الاتحاد | |
سورية - دمشق - أتوستراد المزة - مقابل حديقة الطلائع - هاتف: 6117240 - فاكس: 6117244 |